لوريم ايبسوم هو نموذج افتراضي يوضع في التصاميم لتعرض على العميل ليتصور طريقه وضع النصوص ؟

author_article_image

الدكتورة ليندا رزق

إلياس الحويّك مؤسّس جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة اللبنانيّة المارونيّات

مقدّمة

يعتبر البطريرك إلياس الحويك من النخبة المميّزة في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر ومن تاريخ الكنيسة المارونيّة نظرًا إلى الأعمال البارزة التي حقّقها على صعيد الوطن والكنيسة، وهو من الأحبار القلائل الذين برزت أسماؤهم ساطعة في تاريخ الكنيسة المارونيّة، ذلك لأنّه وضع كلّ طاقاته الماديّة والمعنويّة واللاهوتيّة في خدمتها. كما يعتبر شخصيّة وطنيّة بامتياز، إذ برزت عظمته في الحقبة التي تولّى فيها مسؤوليّة السدّة البطريركيّة على أكمل وجه إذ انفتح بجديّة ومصداقيّة على كلّ مكوّنات الوطن ما جعله يحوّل بكركي إلى صرح وطنيّ تلتقي فيه الشخصيّات السياسيّة والروحيّة والوفود الشعبيّة التي اعتادت أن تؤمّ هذا الصرح في الظروف والأزمات المصيريّة، فيلاقون منه الترحيب والاحترام ولا عجب إذا قلنا إنّ المواقف التاريخيّة والوطنيّة التي أعلنها على الملأ قد خفّفت كثيرًا من وطأة المآسي التي عاش في ظلّها اللبنانيّون على مدى أكثر من عقدين من الزمن. خاصّةً وأنّه فتح أبواب بكركي لجميع المحتاجين الذين وجدوا لديه كلّ عطف وأبوّة وحنان. وعندما ضربت المجاعة لبنان في الحرب العالميّة الأولى وذهب ضحيّتها عشرات الألوف من اللبنانيّين، عمد هذا الرجل الكبير إلى إقامة أفران يوزّع عليها الطحين مجانًا لمساعدة الجياع والمرضى والعاجزين.

إنّ هذا البحث يركّز على نقطتين أساسيّتين:

الأولى:شخصيّة البطريرك منذ طفولته حتّى سيامته كاهنًا فأسقفًا فبطريركًا، وأبرز الإنجازات التي حقّقها على صُعُد الدين والسياسة والاجتماع ومعالجة المعضلات الأساسيّة التي حصلت في أيّامه، وخاصّةً قضيّة إطعام الجياع ودفن الموتى المكدّسين في الشوارع ليس هناك مَن يدفنهم تحت التراب، ما جعله يفتح أبواب مخازن المؤن في الصرح البطريركيّ للتخفيف من حدّة هذه الكارثة المعيشيّة والصحيّة وذلك في أثناء الحرب العالميّة الأولى. هذا بالإضافة إلى المشكلة التي حصلت بينه وبين جمال باشا الذي كان يخطّط لإعدامه او لنفيه من البلاد. ولكنَّ العناية الإلهيّة قد أنقذته من مخالب هذا الذئب الكاسر. واستمرّ في سياسته لرعيّته خاصّةً، ولمعالجة القضايا الوطنيّة عامّةً، بما في ذلك تنظيم علاقاته بالفرنسيّين وبالملك فيصل الذي كان يطمح إلى إنشاء حكومة عربيّة في لبنان موالية له.

الثانية: هذه النقطة ستأخذ الحيّز الأكبر من هذا النصّ فهي الإنجاز الذي حقّقه البطريرك على الصعيد الدينيّ من حيث إبراز دور المرأة، ومقدرتها على تحمّل أعباء مسؤوليّات جسيمة ومصيريّة في تاريخ الكنيسة والوطن. ومن هذا المنطلق أسّس "جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات".

في هذا الشقّ من البحث سنتطرّق إلى شرح الدوافع والخلفيّات التي دفعت البطريرك المارونيّ إلى الإقدام على هذه المحاولة السابقة لعصرها في أيّامه والأهداف التي سعى إلى تحقيقها من خلالها على صُعُد الدين والتربية ومعالجة المشكلات الإنسانيّة والإجتماعيّة والاقتصاديّة، وخاصّةً من جهة الإعداد لتأسيس عائلة مسيحيّة مميّزة منزّهة عن التعصّب والتمييز العرقيّ والطائفيّ. كما توخّى منها أن تكون صاحبة رسالة تبشّر بالإنجيل وتعمل على نشر القيم المسيحيّة بين العائلات والأفراد والمدارس وفي الرهبانيّات.

بعد ذلك سنسلّط الأضواء على القوانين الخاصّة بهذه الجمعيّة والمراحل التي مرّت بها، إلى أن وصلت إلى الصيغة النهائيّة كما هي اليوم، مع إلقاء نظرة تقويميّة عليها. يضاف إلى ذلك أنّ الدراسة ستتابع مسيرة هذه الجمعيّة والعقبات التي أخذت تعترضها بعد أشهر قليلة على تأسيسها، وأبرزها أنّ المتبتّلة أورسلا لحّود قد تراجعت عن هبتها لدير مار يوسف إلى البطريركيّة، ما اضطرّ الرهبنة للتفتيش عن مقرّ آخر، حيث استقرّت أخيرًا في عبرين. إلّا أنّ العقبة الأشدّ إيلامًا قد تجسّدت باستشهاد الأمّ الرئيسة العامّة والمؤسّسة روزالي نصر، مع التطرّق إلى بعض وقائع الجريمة.

أمّا على صعيد إنجازات هذه المؤسّسة فنشير إلى انصراف هؤلاء الراهبات إلى الاهتمام بالشؤون الصحيّة كالمياتم والمستشفيات، والمؤسّسات التربويّة وخاصّةً من جهة فتح المدارس المجانيّة والخاصّة. 

وفي النهاية سنختم موضوعنا بفصل خاصّ عن الرئيسات العامّات اللواتي عقبن الرئيسة العامّة المؤسّسة روزالي، وبلغ عددهنّ ستّ رئيسات عامّات مع الإشارة إلى أبرز إنجازات كلّ واحدة منهنّ، وإلقاء نظرة تقويميّة بوجه عامّ على عهد كلّ واحدة منهنّ، وعلى موضوع الدراسة ككلّ.

 

الفصل الأوّل

أوّلًا: شخصيّة الحويّك وأبرز إنجازاته

أ - مولده ونشأته

ولد في بلدة حلتا - قضاء البترون العام 1843، والعام 1851 دخل مدرسة يوحنّا مارون في كفرحي - قضاء البترون أيضًا. والعام 1859 دخل إكليريكيّة غزير، وظلّ يتابع دروسه فيها حتّى العام 1865 حيث أرسله البطريرك بولس مسعد لإكمال دروسه في روما في مدرسة نشر الإيمان المقدّس، وظلّ هناك حتّى العام 1870.

بعيد عودته إلى لبنان حاملًا شهادة الملفنة في اللاهوت، وبتنويه صادر عن رؤسائه، دوّن على لائحة الشرف إلى جانب اسمه باللغة اللاتينيّة: Juvenus ad maiora natus[1]

أي "وفتى ولد للعظائم" وانصرف حالًا إلى ممارسة الوعظ والتبشير والرياضات الروحيّة.

ب - الحويّك كاهنًا 

بعد عودته من روما درّس سنتين في مدرسة كفرحي، غارسًا في نفوس تلامذته التعبّد للعذراء. وفي العام 1870 تقبّل الدرجة الكهنوتيّة في 5 حزيران يوم عيد العنصرة، ولكنّ شهرته الواسعة المزيّنة بالقيم والفضائل المميّزة قد ترامت إلى مسامع البطريرك مسعد فعيّنه أمين سرّ للبطريركيّة، وعُيّن محاميًا لشؤون الزواج في المحكمة البطريركيّة طيلة 18 عامًا قضاها بالعمل بجديّة وتجرّد وأمانة[2].  

ج - الحويّك مطرانًا 

في 28 نيسان 1890 انتخب المطران يوحنّا الحاجّ بطريركًا فانتدب الحويّك ممثّلًا له لزيارة الأعتاب الرسوليّة ليحصل له على درع التثبيت. فمثل لدى البابا لاوون الثالث عشر الذي منحه بركته مثنيًا على تعلّق الكنيسة المارونيّة بروما. كما كلّفه بالقيام بالتفاوض مع المسؤولين هناك لإعادة فتح المدرسة المارونيّة في روما التي كان نابليون قد وضع يده عليها يوم دخل روما فاتحًا العام 1798، فأقفل مدرستها وباع أملاكها وشرّد تلامذتها. فنجح بمهمّته على أكمل وجه وأدخل البهجة في قلب البطريرك، وخاصّةً بعد أن حصل على 8 منح لطلّاب موارنة ليدرسوا في معهد سان سوليبس في باريس. وتمكّن أيضًا بفضل الاتّصالات الحثيثة والجادّة من تأسيس كنيسة سيّدة لبنان في باريس العام 1914 وهذا ما أعاد الروابط الجيّدة بين لبنان وفرنسا إلى سابق عهدها. 

وتحقيقًا لهدف الحصول على 50 ألف فرنك لإعادة فتح المدرسة المارونيّة في روما، قام بجولة على المدن الفرنسيّة ثمّ توجّه إلى سويسرا لمقابلة الإمبراطور الفرنسيّ فرانسوا الأوّل، وفي طريق عودته إلى الوطن "عرّج على الأستانة ليشكر السلطان عبد الحميد على إعفائه البطريرك المارونيّ من فرمان الاعتراف بسلطاته البطريركيّة من السلطان العثمانيّ[3]

خدم الحويّك لبنان والكنيسة المارونيّة طيلة حياته، والحديث عنه يطول ويتشعّب حول أبعاد نشاطاته التي لا حدّ لها في الوطنيّة والسياسة والاجتماع والشؤون الكنسيّة والروحيّة والإنسانيّة[4].

د - الحويّك بطريركًا

توفّي البطريرك يوحنّا الحاج ليلة عيد الميلاد 1898، فعقد الأساقفة مجمعًا خاصًّا لانتخاب بطريرك جديد للطائفة، فانتُخب المطران إلياس الحويّك بطريركًا في الجلسة الأولى في 6 كانون الثاني 1899، وعلى الفور اختطّ لنفسه أسلوبًا إنسانيًّا وحازمًا في الوقت نفسه، ومن الأمور الجديدة التي اعتمدها لعهده: المائدة البطريركيّة المشتركة التي كانت معلمًا من معالم العيش المشترك الذي كان يرفع شعاره حيث كان يشترك فيها كلّ المتواجدين في الصرح من رجال دين وعلمانيّين، بمن فيهم الكبار والصغار. وشمل كلّ مرؤوسيه برعاية تجسّد العطف، والحنان، كما اهتمّ بممارسة الطقوس الدينيّة كالقداديس والصوم وتساعيّة الميلاد ورتبة الآلام ودرب الصليب. كما بذل عناية كبيرة لإقامة رياضات روحيّة للأساقفة والمطارين في الكرسيّ البطريركيّ، وخصّ العذراء مريم بتكريم خاصّ في صلواته ومظاهر عبادته لها، فكان يتلو يوميًّا مسبحة الورديّة ويشارك بإقامة زيّاحٍ لها، وأخذ ينسّق مع القاصد الرسوليّ لإقامة مذبح لها في حريصا[5]. أبرز إنجازاته: 

  • تشييد كنيسة المقرّ الصيفيّ العام 1903 حيث تحوّلت إلى قصر فيما بعد وسمّاه: "ذكرى جديدة قنّوبين" وجرّ إليه المياه الغزيرة من أراضي الدير حيث تحوّلت الأراضي البور القاحلة إلى حدائق وجنائن غنّاء.
  • توسيع أملاك بكركي واستصلاح الأراضي القاحلة فيها بعد أن جرّ إليها المياه من درعون فأصبحت مساحات خُضرًا خصبة.
  • توسيع أملاك بكركي واستصلاح  الأراضيّ القاحلة فيها بعد أن جرّ إليها المياه من درعون فأصبحت مساحات خُضرًا خصبة .
  • إنفاق مبالغ طائلة لتزيين كنيسة الصرح في بكركي حيث تحوّلت إلى تحفة فنيّة وأصبحت من أعظم كنائس لبنان بفضل عمل ابن أخته الفنّان يوسف الحويّك.
  • تفقّده للأبرشيّات التابعة له في أثناء انتقاله إلى المقرّ الصيفيّ في الديمان أو بالعكس من الديمان إلى بكركي، إذ اعتاد أن يزور القرى التابعة له، ويطّلع على همومها ومشاكلها المختلفة وخاصّةً من الناحية الروحيّة، وكان يعمل على إيجاد حلول لها وللمشكلات الماديّة أيضًا.
  • إهتمامه بالمدرسة المارونيّة في روما كما مرّ معنا سابقًا .
  • إعطاؤه أهميّة خاصّة بموارنة الاغتراب وتتّبع أخبارهم. ومن هذا المنطلق أنشأ مطرانيّة في مصر بناءً على طلب الموارنة هناك.
  • الاهتمام بواقع الأبرشيّات في الداخل أيضًا، فبناءً على طلب رعايا مطرانيّة صيدا وصور أصدر أمرًا بقسمتها إلى مطرانيّتين مستقلّتين.
  • من أعماله الرسوليّة أيضًا بالإضافة إلى تأسيس أبرشيّة صور المارونيّة، تحرير الوكالات البطريركيّة في باريس والقدس ومصر، وأوفد مجموعات من المبشّرين إلى نواحي أفريقيا وأميركا حيث أشادوا الكنائس والملاجئ والمياتم والمصحّات، وعزّزوا الصحافة والجمعيّات الثقافيّة في قارّة أميركا. 

هـ - تشديده على تأسيس الرهبانيّات المحليّة النسائيّة والرجاليّة

ومن الأمور الأبرز في عهده درس ملفّات تطويب راهبَين لبنانيّين نعمة الله الحرديني وشربل مخلوف من بقاع كفرا والراهبة رفقا الريّس من حملايا، كما جرى في عهد تطويب الأخوّة المسابكيّين الثلاثة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحويّك قد أعلن في 10 تشرين الأوّل 1926 تطويب الشهداء المسابكيّين الثلاثة الذين قُتلوا في دمشق، في أثناء أحداث 1860 الطائفيّة وأمر بأن تُقام على أرواحهم احتفالات بكلّ كنائس الأبرشيّة البطريركيّة على مدى ثلاثة أيّام متتالية بين 12 و14 أيلول المناسب عيد ارتفاع الصليب. وحاول إنشاء مدرسة إكليريكيّة عامّة في البترون، إلّا أنّ نُشوب الحرب العالميّة الأولى قد أجهض المشروع. ونتيجةَ مساعيه الخيّرة قدّمت الحكومة الفرنسيّة إلى الموارنة ديرًا وكنيسة في باريس.

بعد انتهاء الحرب المذكورة جمع البطريرك مطارنة الطائفة للبحث مجدّدًا في موضوع إنشاء البطريركيّة. وبعد مفاوضات استمرّت حتّى إلى ما بعد وفاته تمّ الاتّفاق على أن يعهد بهذا العمل إلى الآباء اليسوعيّين، فأسّسوا المدرسة في غزير. كما نشأت إكليريكيّة أخرى شبيهة لها في مار عبدا هرهريا بإشراف البطريركيّة. وكانت كلّ واحدة منها تضمّ مئات التلامذة.

إزاء النقص في وجود الرهبانيّات في الجبل، برزت الحاجة إلى القيام بنهضة شاملة لتطوير المجتمع. هذا بالإضافة إلى ظهور مجموعات من البروتستانت والكاثوليك تركّز على ضرورة تعليم المرأة الشرقيّة. وهذا ما خلق الحاجة إلى نساء لبنانيّات يتولّين رعاية الفتيات اللبنانيّات. 

أمّا على صعيد إنجازاته السياسيّة فنشير إلى قضيّة سياسيّة ووطنيّة خطيرة وهي أنّه بعد دخول تركيا الحرب العام 1915 إلى جانب ألمانيا ضدّ الحلفاء، استدعي البطريرك إلى الديوان العرفيّ في عاليه من قبل جمال باشا 3 مرّات وتمكّن بقوّة شخصيّته وجرأته من أن ينجو من الإعدام أو النفي إلى الأستانة.

بعد ثلاث زيارات للبطريرك الحويّك إلى الديوان العرفيّ في عاليه، وكان فيها مصيره مهدّدًا حتّى الموت وتمكّن من تسوية وضعه مع السفّاح، فقد قام جمال باشا بزيارة تاريخيّة إلى المقرّ الصيفيّ للبطريركيّة المارونيّة في الديمان. وهذا ما يبيّن المكانة الرفيعة التي كان يحتلّها البطريرك المارونيّ دوليًّا ومحليًّا[6].

وعندما انتشرت المجاعة في لبنان ومات أكثر من ثلث السكّان بسببها، أمر على الفور بفتح مخازن بكركي والأديرة والمطرانيّات أمام الجياع، وسعى لتأمين القمح والمساعدات الضروريّة لهم، كما بذل أموالًا طائلة لدفن جثث الموتى المكدّسين في الشوارع.

في هذا السياق أيضًا وبعد أن انتهت الحرب العالميّة واندحر الأتراك، توجّه إلى مؤتمر الصلح في باريس وقاد المفاوضات باسم الوفد اللبنانيّ الموحّد لتوسيع رقعة لبنان الجغرافيّة من خلال "إعلان دولة لبنان الكبير"[7].

وقبيل عودة المطران عبدالله الخوري من باريس مترئّسًا الوفد اللبنانيّ الثالث إلى مؤتمر الصلح المذكور، قابل في 27 آب 1920 قداسة البابا بنيدكتوس الخامس عشر وأطلعه على خريطة لبنان القديم قبل 1920 وخريطة لبنان الحديث، فما كان من قداسته إلاّ أن دوّن عليها عبارة بالفرنسيّة، وممهورة بتوقيعه، وقد جاءت ترجمتها:

"عشيّة تحقيق أماني أبنائنا اللبنانيّين الأعزّاء، نحرص على تهنئتهم ونمنحهم البركة الرسوليّة بقلب رحب". وذلك في 27 آب 1920.[8]

وتجدر الإشارة في هذا المجال أيضًا إلى الحديث عن علاقاته الإيجابيّة بالفرنسيّين وخاصّةً مع المفوّض السامي في لبنان دي جوفنيل، وصادف أنّ البطريرك كان يستعدّ لزيارة دي جوفنيل، ثمّ يقوم بالاحتفال بيوبيله الأسقفيّ، ففوجئ بأنّ المفوّض السامي قد سبقه إلى المقرّ البطريركيّ ليقدّم إليه واجب التهنئة باليوبيل[9].

 

ثانيًا: قوانين جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة

أ - كتابة القوانين

بناءً على طلب البطريرك الحويّك بدأ البحث بوضع قوانين لهذه الجمعيّة تبيّن بوضوح واجبات الراهبات المنطويات، ليتسنّى لكلّ واحدة منهنّ معرفة الفرض الذي من أجله دخلت في عضويّة هذه الجمعيّة، وخاصّةً من جهة تقديس ذاتها وإتقان أعمال البرّ.

 

ب - دوافع كتابة القوانين

إنّ هذه الرهبانيّة التي أسّسها الحويّك وبذل لها عقله وقلبه، بدأت على الفور ممارسة نشاطها الرسوليّ بوجهٍ عشوائيّ من دون تخطيط أو تنظيم، وبدون برنامج عمل واضح. فكتبت الرئيسة الثانية الأمّ ستيفاني إلى البطريرك طالبةً منه وضع قانون ينظّم عملها الرسوليّ. بدأ العمل بوضع القانون الأبوان إبراهيم حرفوش ويوحنّا السبعلي واهتمّا بتبويبه وتنقيحه والتدقيق فيه. وانتهى العمل العام 1901 حيث تسلّمت الأمّ المذكورة نسخة عن مشروع القانون، ولكنّها استمرّت في مناقشتة والتعليق عليه وإبداء الملاحظات المناسبة حتّى العام 1910، وبعد ذلك طبعت القوانين بشكلها النهائيّ، ثمّ أعيدت صياغتها وثبتت نهائيًّا العام 1928 وظلّ معمولًا بها حتى العام 1977[10].

  • فرض الحضّ على الراهبات
    • فرض الانتخاب السريّ لتأمين حريّة الانتخاب داخل الجماعات الديريّة
    • لا تنتخب رئيسه إلّا بعد الأربعين من عمرها وبعد ثماني سنوات لنذورها
    • فرض الاعتراف والمناولة أقلّه مرّة في الشهر واستقدام كاهن غير اعتياديّ أقلّه ثلاث مرّات في السنة.

النسخة الانتقاليّة 1977 (دستور حياة)

كتبت هذه النسخة بعد استطلاع رأي الأخوات في أعقاب المجمع الفاتيكانيّ الثاني وصدور القرار المجمعيّ من تجديد الحياة الرهبانيّة. وورد في هذه النسخة مكان مخصّص للمشاورات بين الرئيسة وأخواتها للتعاون من أجل إتمام المسؤوليّات المشتركة[11].

الطبعة الحاليّة 1992 الأمر الجديد في هذه النسخة يتبيّن أنّ الراهبات لأوّل مرّة يكتبن قانونهنّ ويعبّرن فيه عن حقيقة حياتهنّ التي اخترنها والتي يردن تحقيقها في حياتهنّ الرهبانيّة. ولأوّل مرّة يكون للقوانين مرجع كنسيّ يحدّد ماهيّة الحياة الرهبانيّة بالإضافة إلى تحديد أطرها.

نظرة تقويميّة للقانون الجديد

إنّ الحالة الرهبانيّة هي طريق للحياة المشتركة في مؤسّسة معيّنة تثبّتها الكنيسة، وفيها يتّبع المؤمنون المسيح بفعل الروح القدس اتّباعًا أشدّ التزامًا، فيتّخذونه معلّمًا ومثال القداسة ويكرّسون ذواتهم على نحوٍ جديد وخاصّ بنذرهم نذرًا عمومًا الطاعة والعفّة والفقر، وممارستها بحسب الفرائض تحت قيادة رئيس شرعيّ، متخلّين عن العالم وعاكفين كليًّا على اكتساب كمال المحبّة في خدمة الله لأجل بناء الكنيسة وخلاص العالم كعلامات تنبئ مسبقًا بالمجد السماويّ[12].

أمّا المميّز في هذا القانون فهو أنّه أعطى الرئيسة العامّة حقّ قبول النذور، هذا الحقّ الذي كان من سلطة البطريرك وهنا لا بدّ من إلقاء نظرة تقويميّة إلى هذا القانون بصيغته الأخيرة[13].

أوّلًا: من حيث الشكل او الصيغة (الصياغة) والفصل بين كلّ مادّة وأخرى من موادّه، واستحداث كتاب التنفيذ، هذا العمل كتاب الرسوم، وجعل لكلّ مادّة تتعلّق بمقوّمات الحياة الرهبانيّة أساسًا لاهوتيًّا، وكتابيًّا، ومتطلّبات قانونيّة، مع ترك المجال مفتوحًا لتحقيق مبادرات فرديّة تسعى إلى تطوير كلّ فرد بحسب تطلّعاته الروحيّة.

ثانيًا: من حيث التحويرات والتعديلات القانونيّة، جرى اتّباع معطيات الحقّ العامّ ومبادئه والذي بدأ العمل به منذ العام 1991.

ثالثًا: توجّهت القوانين بوجهٍ أوضح إلى الكنيسة الجامعة وإلى المجتمع وإلى الخدمة الرسوليّة، والانفتاح على مشكلات عالم اليوم، والسعي من أجل التضامن الإنسانيّ، كما أخذت بعين الاعتبار معطيات العلوم الإنسانيّة التي يمكن أن نشعر بها كخليقة شفّافة تشمل معظم القوانين. 

رابعًا: يتميّز متن النصّ بأنّه يذخر بالمراجع الإنجيليّة خاصّة والكتابيّة عامّةً.

خامسًا: يبدو من خلال صياغة القوانين هذه أنّ النصوص الكنسيّة لا تغيب عن مضمونها، وكذلك توجيهات الكنيسة. 

سادسًا: إنّ استخدام كتب التنشئة Ratio institutionsيتوخّى تولّي مسؤوليه الاهتمام بأساليب التنشئة الحديثة بكلّ ما تحوي من مقوّمات إنسانيّة ونفسيّة، وأنتروبولوجيّه، ومقوّمات لاهوتيّة وكتابيّة وقانونيّة تغطّي معظم وجوه الحياة الرهبانيّة ومظاهرها، بالإضافة إلى الاهتمام الحثيث بالعلوم الأكاديميّة والمهنيّة. وهذا الكتاب وضع قيد الاختبار منذ العام 1992، وسيعرض على المجمع العامّ قبل التصويت عليه. 

إنّ هذه الصيغة الجديدة تؤلّف وحدة متكاملة كما أنّ الجمعيّة موحّدة ومتكاملة لتكون جسمًا كنسيًّا متّحدًا بالمسيح، تعمل في خدمته وتتتلمذ له. 

وفي شرحنا مفهومَ الحياة الرهبانيّة التاريخيّ يمكن القول: لا عشوائيّة ولا فوضى في الحياة الرهبانيّة، بل هي "عمل مؤسّسيّ" ولا عفويّة في الأهداف والتطلّعات المستقبليّة. والحياة الرهبانيّة، بتعبير أدقّ هي "موهبة الروح" ولكنّ ذلك لا يعني أنّها موهبة كاملة مطلقة، بل لها مشاكلها وتعقيداتها واحتياجاتها وبيئتها الخاصّة.

إنّ إعادة كتابة هذه القوانين وصياغتها ثانيةً في ضوء تحرّك كنسيّ معتمد على زخم في النصوص، وتبدّل في شكل المجتمع المعاصر، هي نداءات صريحة لنا للقيام بمسؤوليّاتها الضروريّة على هذا الصعيد، وهي حتميّة روحيّة وتاريخيّة أُخذت بعين الاعتبار في أثناء صياغة هذه القوانين. لأنّ مجتمعنا متعدّد الحضارات والانتماءات وممزّق، تتجاذبه تيّارات متناقضة على مختلف الصُعُد. لذا، فإنّ حياتنا الرهبانيّة القائمة والمعيوشة، وشهادتنا الإنجيليّة هما المحكّ، وعلى أساسها تظهر الكلمة الفصل، ويصبح بالتالي سهلًا الحكم على مدى مطابقتنا لهذه الحياة سلبًا أم إيجابًا.

الرزاء العظيم بموت مؤسّسه راهبات العائلة المقدّسة[14].

 

الفصل الثاني
البطريرك الحويّك وجمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات 

 

أوّلًا:الحويّك مؤسّس جمعيَّة راهبات العائلة المقدّسة

أ - خلفيّات تأسيس الجمعيّة

أسّس الحويّك هذه الجمعيّة للعناية بتهذيب البنات وتثقيفهنّ وبذلَ من أجل تنفيذ هذا المشروع من ماله الخاصّ مئة ألف ليرة عثمانيّة ذهبًا، بالإضافة إلى تبرّعات المحسنين في لبنان وفرنسا، وعند مماته كانت هذه المؤسّسة قد ظهرت إلى الوجود بوجهٍ نهائيّ، وتعدّدت مدارسها في سوريا ولبنان وأوستراليا، وأعطت نتائج باهرة في مجالات التربية والأخلاق والدين. وهذا ما جعل الحويّك يغادر هذه الدنيا قرير العين بالإنجازات التي حقّقها على مختلف الصُعد.

ومن غريب الصدف أنّه قبل مائة عام من إعلان البابا والأمم المتّحدة "سنة العائلة" ثمّ "سنة المرأة"كان الحويّك يعمل على تأسيس جمعيّة يسمّيها جمعيّة العائلة، غايتها تنشئة الشبيبة وخاصّةً الفتيات على القيم والمبادئ السامية. إنّه فعلًا "نبـيّ"كسميّه.

ب - ظروف ولادة الجمعيّة

آمن الحويّك بأنّ ما يقوم به في إدارة هذه الجمعيّة هو بتكليف من الروح القدس. وكان على ثقة أنّه بعد مغادرته العالم ستواصل عملها تحت نظر العناية الإلهيّة بتدبير ربّانيّ، لنشر تعاليم الإنجيل على أيدي قافلة عذارى العائلة المقدّسة، تسير مثقلة بالمسؤوليّات الجسام لمجابهة حاجات العصر وهمومه وآلامه ومتطلّباته، لترافق شعب الله، متّكلةً على العناية الإلهيّة التي لا تسمح بأن ترزح هؤلاء المرسلات تحت عبء الأحداث الجسيمة والمسؤوليّات الخطيرة. فعلى أكتافهنّ وصلواتهنّ تنهض الإنسانيّة، لأنهنّ يزرعن كنوز الإنجيل غير عابئات بما يخبّئ لهنّ المستقبل من مفاجآت.

وقد ورد في القوانين الجديدة لهذه الجمعيّة المستوحاة من المجمع الفاتيكانيّ ومن روحانيّة المؤسّس: "تفرض علينا الطاعة البحث الفرديّ والجماعيّ عن إرادة الله في الصلاة أو في الحوار المنزّه عن الهوى الذاتيّ، والمركّز على الخير العامّ ونجاح الرسالة. هذه الطاعة هي تطلّع يوميّ إلى إرادة الله".

إنّ الراهبة المنتميّة إلى هذه الجمعيّة تتمثّل بالقدّيس يوسف في طاعته، ويكون خضوعها بدافع من الروح القدس وبالانقياد لروح الله بإيمان وسخاء. فالراهبة في هذه "العائلة" تسلّم نفسها تسليمًا بنويًّا كاملًا لله لتصبح ذبيحة مقدّسة مرضيّة عند الله. وهي لا تخاف العزلة لأنّ "الله معها". ومن فقرها تغني الآخرين في لبنان كما في سوريا وأستراليا، وتجاهد في مسيرتها اليوميّة لتتلمذ كلّ الأمم. إنّها مكرّمة لله، وأعمالها أيضًا يجب أن تكون كذلك.

إنّ هؤلاء الراهبات يعشن دعوتهنّ بالتعاون مع أسقف الأبرشيّة وكاهن الرعيّة والعلمانيّين الملتزمين، مجسّدات روحانيّة المؤسّس في القطاع التربويّ كما في القطاعين الروحيّ والإنسانيّ، وتعمل كلّ واحدة منهنّ بروح الكنيسة متّكلة على الله، مع الثقة التامّة بأنّ حياتهنّ الرسوليّة هي من صلب تكريسهنّ سواء كان في المدارس أم خارجها أم في المجتمع والأبرشيّة وفي المؤسّسات الإنسانيّة.

إنّ عمل الراهبة يقوم على الالتزام بالأساليب الجديدة في العمل الرعويّ الرسوليّ المستند إلى توصيات السينودس المتمحورة على التربية وخدمة المرضى لأنّالكنيسة مدعوّة لأن تكون أمّ المتألّمين تحوطهم بمحبّتها لأنّهم أبناؤها، فتواصل بذلك رسالة الآب الإله. والمرأة المكرّسة بكينونتها وعملها تكشف حضور الله وتجعله فاعلًا ومؤثّرًا في هذا المجتمع. والمرأة المكرّسة هي أيضًا علاقة محبّة الآب للبشر وحنانه. والسينودس في هذا المجال يشرح كيف أنّ الأنوثة هي علاقة الأزمنة اليوم، وهي شهادة لخدمة الكنيسة البتول والأمّ. فالبتوليّة ترتبط بالأمومة من خلال ممارسة المنشورات الإنجيليّة[15].

وفي هذا السياق لا بدّ من توضيح موقف الحويّك من مبدأ الطاعة لدى الراهبات. وقد لخّص ذلك في رسالة وجّهها إلى الراهبات في 3 آب 1925 يحثّهنّ فيها على الطاعة للرئيسة التي أرسلها الله تعالى برعاية خاصّة، إنّها تعمل من أجل خير الأخوات، وخير الجمعيّة المباركة، وتحاول أن تعطيهنّ كلّ ما منّ الله عليها من مواهب. ويؤكّد بروح إيمانيّة أنّ إرادة الله توهَب لهنّ بواسطة الأمّ الرئيسة، ويشير في مقطع آخر إلى طاعة الرئيسة حتّى ولو لم تكن أهلًا للرئاسة.

ج - تأسيس الجمعيّة

إنّ فكرة تأسيس هذه الجمعيّة راودت الحويّك منذ بداية حياته الكهنوتيّة. وقد تعزّزت هذه الفكرة بعد جولته على القرى الجبليّة فور تسلّمه مهامّه الأسقفيّة، ولاحظ في أثنائها حاجة البلاد إلى التقدّم، واعتقد أنّ التقدّم يعتمد على التربية، ومَنْ أجدر بالتربية من المرأة؟!.

تعرّف البطريرك في قرية كفيفان إلى الراهبتَيْن اللتَيْن مرّ ذكرهما (تقلا) روزالي نصر، واستيفاني كردوش، من جمعيّة راهبات الورديّة من ناصرة الجليل، وهي أرثوذوكسيّة وتتعاطى التعليم. وذلك في العام (1893) وقد أسّستا مدرسةً في كفيفان.

عندما أُعجب البطريرك بشخصيّة هاتين الراهبتين عرض عليهما إنشاء رهبنة نسائيّة على غرار جمعيّة الورديّة فوافقت الرئيسة ولكنّها اشترطت موافقة مسبقة من بطريرك القدس. وصادف أن التقى المطران الحويّك البطريرك المذكور في مدرسة البروباغندا وحصل منه على موافقة رسميّة لهذا المشروع، مع موافقة البطريرك على إبقائهما بتصرّف الحويّك. ولمّا عاد هذا الأخير من روما أوائل تمّوز 1893 أبلغ الأمّ روزالي بما حصل بينه وبين البطريرك فقبلت الأمر وباشرت فورًا بالتنفيذ متّكلة على حكمة الله وتدبيره ودعم البطريرك. وظهرت هذه الجمعيّة إلى الوجود (أوّل جمعيّة نسائيّة وطنيّة رسوليّة) في 15 آب 1895 وكانت الولادة في جبيل (دير مار يوسف). وقد أبدت الأمّ روزالي اهتمامًا كبيرًا بشؤون العمل الرسوليّ وخدمته. 

ويعود السبب في اختيار هذا المكان إلى أنّ المطران لم يكن يملك المال الكافي لبناء دير يكون مقرًّا لهذه الجمعيّة. وصادف أنّ راهبة من عمشيت تُدعى أرسلا هارون أو أرسلا لحّود تنتمي إلى راهبات الورديّة وكانت تجمع الأموال لبناء دير وكنيسة ومدرسة لتعليم أولاد الفقراء وإيوائهم. فحقّقت ما أرادت، ثمّ وهبت الدير المذكور للبطريركيّة المارونيّة. وفي 14 آب 1895 تسلّمت الأمّ روزالي مفاتيح الدير المذكور من الخوري بطرس رزق العمشيتيّ، وقُرعت أجراس الدير ابتهاجًا بالحدث السعيد. وتوافد الناس من مختلف أنحاء جبيل لحضور الذبيحة الإلهيّة التي ترأّسها المطران الحويّك شخصيًّا، وجرى احتفال كبير لهذه المناسبة. وبعد الانتهاء من هذه المراسم سلّم المطران الحويّك الأمّ روزالي مقاليد الرئاسة العامّة للجمعيّة فعُيّنت الأخت استيفاني مساعدة لها ومعلّمة، ودخلت عشر بنات سلك التعليم والامتحان في مدرسة دير العائلة[16].

د - أهداف الجمعيّة

هدف الحويّك من تأسيس هذه الجمعيّة تحقيق طموحاته المعبّرة عن محبّته لأبناء وطنه وكنيسته وأبناء طائفته، والمشدّدة على الإيمان خشيةً عليهم من الضياع والتشتّت والانحلال الروحيّ. وهذا الشعور المتعدّد الوجوه دفعه إلى التفكير بتأسيس جمعيّة نسائيّة لتحتضن في رسالتها الفضائل في المجتمع، والعناية بتربية الفتيات على مختلف الصُعُد بغية تأمين قيام عائلة صلبة العود، عزيزة الجانب تتحلّى بمكارم الأخلاق والحياة الحرّة المسؤولة القائمة على جوهر الإيمان المسيحيّ.

في أثناء انهماك الحويّك بتحقيق هذا المشروع، ارتأى أن يفاوض في هذه القضيّة الغالية على قلبه الراهبة روزالي نصر المنتمية إلى "راهبات الورديّة" التي جاءت إلى لبنان بغية إنشاء إرساليّات فيها. وقد جمعت العناية الإلهيّة هذين الشخصيّن على درب الخير والإيمان والفضيلة، وبدأ الحلم يدخل حيّز التنفيذ في دير صغير في مدينة جبيل كانت قد وهبته إلى البطريركيّة متبتّلة من عمشيت اسمها أورسلا لحّود.

وفي الخامس عشر من آب 1895 المصادف عيد انتقال العذراء احتفل الحويّك في كنيسة الدير المذكور بالذبيحة الإلهيّة لمناسبة التأسيس، وقد حضر القدّاس الأمّ روزالي والأخت استيفاني. وكانت الراهبة روزالي حجر الزاوية في بنيان هذا الصرح الروحيّ، أي "جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات". وعلى الفور هبّت الأمّ روزالي إلى القيام بأعباء هذه المهمّة متّكلةً على العناية الإلهيّة وتشجيع البطريرك البارّ، وأخذت تشجّع الفتيات على الدخول في هذه الرهبانيّة، وأفسحت لهنّ المجالات الواسعة لعيش الفضائل المسيحيّة قبل أن تستشهد دفاعًا عن المبادئ السامية الحقيقيّة، والمثُل الرهبانيّة المميّزة. وظلّت هذه الجمعيّة تشقّ طريقها على دروب الكمال معتمدة على توجيهات الرئيسات العامّات ومجالسهنّ، وتشجيع البطريرك غير المحدود إيّاهنّ.

 

هـ - العلاقة بين جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات وجمعية المرسلين اللبنانيّين 

بدأ مشروع فكرة إنشاء جمعيّة الراهبات يراود مخيّلة البطريرك الحويّك عندما كان يملي على الأب إبراهيم حرفوش مراحل حياته وإنجازاته حيث مرّ في حينه ذكر إنشاء جمعيّة راهبات تُعنى بتهذيب الفتيات، وهذه الفكرة الحلم كانت تهجس بباله منذ أمد بعيد[17].

لا تتوافر لدينا دلائل وإثباتات قاطعة حول طبيعة العلاقات بين هاتين المؤسّستين. غير أنّ الثابت بحسب أرشيف كلّ منهما أنّه بعد تأسيس جمعيّة الراهبات بثلاثة أشهر كان الرئيس العامّ لجمعيّة المرسلين يفتتح أوّل رياضة روحيّة لهؤلاء الراهبات المرسلات، وذلك بطلب من مؤسّسهنّ الذي كتب إلى الرئيسة الأولى للجمعيّة  في 29 تشرين الثاني 1895 يخبرها بذلك مسبقًا، وهو الأب الخوري إسطفان قزاح رئيس عامّ المرسلين الكريميّين، ثمّ توالى بعده عدد من الآباء في هذه المهمّة.

والعام 1900 كلّف البطريرك الأبوين يوحنّا السبعلي وإبراهيم حرفوش بإعداد قوانينها الأولى والتي عاد السبعلي فصاغها ثانيةً وطبعت 1930. والعام 1918 فوّض الحويّك إلى الرئيس العامّ ترؤس المجامع العامّة للراهبات، وبعدها بعشر سنوات وقّعت بوحي منه وبإشرافه "المعاهدة" بين رئيسي الجمعيّتين تنصّ على إسناد الإدارة الروحيّة للراهبات إلى المرسلين[18].

و - عقبات ما بعد انطلاق المسيرة

العقبة الأولى

فيما كانت المسيرة في جبيل (دير مار يوسف) سائرة في طريقها القويم إذا بالمتبتّلة أورسلا التي تبرّعت أصلًا بالدير المذكور للبطريركيّة، تعود لتطالب باسترداد ملكيّته متخلّية عن الهبة، ما اضطرّ إدارة الجمعيّة إلى مغادرة الدير المذكور لتستقرّ مؤقّتًا في مدرسة بطرس شحادة في جبيل بالرغم من أنّ بناءها غير صالح للسكن، فاضطرّت إدارة الرهبانيّة للانتقال إلى عبرين في البترون بعد إقامة قصيرة لبضعة أشهر في كفيفان ريثما يصبح البيت الذي اشتراه المؤسّس قد أصبح جاهزًا لاستقرار الراهبات فيه، وكان ذلك في العام 1896 أي بعد حوالى سنة على التأسيس.[19]

 

  • العقبة الثانية

تجسّدت باستشهاد المؤسّسة الأمّ روزالي نصر في 23 آب 1899 عندما أقدمت فتاة لم تقبلها الأمّ روزالي في عداد الراهبات على الانتقام منها بطعنها بخنجر بصدرها وهي نائمة في سريرها، فعمّدت بدمائها مسيرة هذه الجمعيّة المباركة، وشقّت بذلك طريقها نحو القداسة[20].

تولّى رئاسة هذه الجمعيّة طوال قرن من الزمن منذ تأسيسها رئيسات عامّات تناوبنَ على مسؤوليّة إدارتها وتنظيم مسيرتها على أكمل وجه. ولا بدّ من الاطّلاع على مآثر كلّ واحدة منهنّ، وأبرز إنتاجهنّ ولنا عودة إلى هذا.

ز - إستشهاد الرئيسة

يوم الأربعاء 23 آب 1899 استشهدت مؤسّسة هذه الجمعيّة الأخت روزالي إبراهيم نصر في منتصف ليل 22-23 آب ودفنت في اليوم التالي في كابيلا ديرها المشيّد في عبرين بحضور المطران بولس عوّاد وكلّ كهنة مديريّة البترون وجمهور كبير من الشعب والرسميّين، وكانت مظاهر الحزن والأسى بادية على وجوه المشاركين. وقد اشترك ثلاثة مجرمين في قتلها وبطريقة وحشيّة جدًّا. والغريب في دقّة تنفيذ عملية القتل هذه أنّ راهبة ثانية تدعى الأخت صوفيا شهوان كانت نائمة معها في الغرفة لم تنتبه إلى حدوث ما حصل وبالتالي لم تتمكّن من أن تقدم إليها أيّ مساعدة. وقبل لفظ أنفاسها الأخيرة أخذت تصرخ وتستدعي الكاهن لأداء واجباتها الروحيّة[21].

فور شيوع النبأ المشؤوم تقاطرت الوفود من مختلف القرى المجاورة وأعلمت المراجع الأمنيّة والقضائيّة بالأمر. أمّا البطريرك الحويّك فأرسل ثلاثة مراسيم فور تبلّغه نبأ الحادثة: إثنين إلى الخوري بطرس أرسانيوس رئيس مدرسة القدّيس يوحنّا مارون والثالث وجّهه إلى الراهبات معبّرًا عن تعازيه الحارّة بالحدث الخطير، ووُجِّهت دعوات النعي إلى القرى المجاورة والأديار وكهنة الرعايا، وأهل الشهيدة. وفي صباح يوم الخميس عقد اجتماع للكهنة والراهبات والنائب البطريركيّ بولس عوّاد وكاتب الأسرار البطريركيّ القسّ إغناطيوس وهيبة لحضور صلاة الجنّاز في أجواء من الحزن والأسى خيّمت على أرجاء الدير وأجواء مختلف القرى المجاورة[22].

بعد أن قدّم البطريرك واجب التعزية إلى راهبات هذه الجمعيّة، وأبلغهنّ بأنّه كلّف حضرة المطران بولس عوّاد النائب البطريركيّ لترؤّس صلاة الجنّاز نيابةً عنه، داعيًا لنفسها الطاهرة الرحمة الإلهيّة، كما يمنحهنّ البركة الرسوليّة تكرارًا.

ح - مراسم الدفن

لقد دفنت الرئيسة الشهيدة في كابيّلا الدير بحسب أوامر السيّد البطريرك، وقد عاون النائب البطريركيّ في مراسم الدفن جمهور غفير من الكهنة والرهبان وقد تُلي الرقيم البطريركيّ، وبعد ذلك ألقى كلمة التأبين الخوري بطرس أرسانيوس الذي مرّ ذكره، ثمّ ابّنها ثانيةً النائب البطريركيّ بأمر من السيّد البطريرك وشدّد على صفاتها ومزاياها الفاضلة وظروف استشهادها وجاء في التأبين: إنّها تقلا بنت إبراهيم ولدت في القليعات بين 1838-1839 ثمّ انتقل أهلها من القليعات إلى جديدة غزير وفي التاسعة من عمرها دخلت مدرسة اللعازريّات في بيروت أيّام رئاسة الأمّ جالاس التي أسّست أديارهنّ في بيروت. وكانت تقلا من تلميذاتها الأولات، وقضت عندهنّ مدّة تسع سنوات: سبع سنوات في بيروت واثنتين في دمشق. وتميّزت في هذه المرحلة الدراسيّة بالذكاء والاجتهاد والتقوى، ودرست فيها اللغة الفرنسيّة، فبرعت فيها مع شيء من قواعد اللغة العربيّة. فأحبّتها الرئيسة المذكورة والراهبات حبًّا مفرطًا. وكانت الرئيسة تعتمد عليها في تدبير شؤون الدارسات وتدريسهنّ. كما عهدت إليها أمر تدريسهنّ طيلة ثلاث سنوات من وجودها عندها... وفي الثامنة عشرة من عمرها عندما كانت في دير اللعازاريّات تعرّفت إلى بعض من راهبات الناصرة كنّ قد زرن دير اللعازريّات وتردّدن إليه برهة. ولمّا سألتهنّ عن قانونهنّ وأجبنها أحبّت الترهّب عندهنّ، وطلبت من رئيستها الأمّ جالاس السماح لها بذلك. فسمحت لها. وعلى الفور ذهبت إلى الأرض المقدّسة مع اثنتين منهنّ بادئ ذي بدء وليلة عيد الميلاد لبست في الناصرة ثوب الابتداء. وبعد انقضاء فترة الابتداء لبست الإسكيم. فترهّبت وبقيت في هذه الرهبانيّة أربعًا وعشرين سنة كانت فيها قدوة صالحة في الجدّ والكدّ لخدمة مصالح الرهبانيّة. فسعت لتشييد أربعة أديرة في الناصرة وحيفا، وعكا، وشفاعمرو بالخصوص. وقد سعت لجلب فرمان من والي الشام ببناء دير في بيروت. وقد أتت بأعمال جبّارة من خلال هذه الرهبانيّة. وبعد أن نذرت نذورها المؤبّدة نحو 14 سنة استدعاها المرحوم الخوري يوسف طنّوس الناصريّ اللاتينيّ لمساعدته على تأسيس رهبانيّة الورديّة. ولجأ إلى وسائل عديدة مع المجمع المقدّس والديوان البطريركيّ الأورشليميّ لبّت طلب الخوري المذكور، وتمكّنا بفضل جهودهما المشتركة من تأسيس الرهبانيّة المذكورة وعاونته في وضع قانون لها. وظلّت تمارس مهامّ الرهبانيّة في هذه المؤسّسة إلى أن استدعاها المطران إلياس الحويّك لإنشاء رهبانيّة العائلة المقدّسة كما مرّ معنا سابقًا حيث تأسّست في 15 آب 1896. بالإضافة إلى تأسيس عدّة مرسليّات لرهبانيّة الورديّة، وأقامت لها ديرًا كبيرًا في القدس، فقد أسّست 4 مرسليّات لراهبات العائلة اللبنانيّة في عمشيت ودوما وكفيفان وجران[23].

 

ط - مدبّرو مؤامرة الأخت روزالي نصر[24]

تبّين بعد التحقيقات القضائيّة أنّ القتلة هم: اوجني يوسف صادر، عسّاف جرجس صادر، وإلياس يوسف زهرا وكلّهم من كفيفان واشتركوا جميعًا في جريمة الراهبة الشهيدة، وقد شارك في هذه الجريمة أيضًا بوجهٍ غير مباشر كاهن من غادير وعلمانيّان من الشبّان كانا يكاتبان أوجني المذكورة وكان هؤلاء المجرمون يخطّطون أيضًا لاغتيال البطريرك الحويّك.

نشاط الجمعيّة في سوريا

بدأ هذا النشاط بتأسيس مدرسة ابتدائيّة في بانياس 1937 وتولّى شؤون رئاستها الأخت كريستين خوري وقد ساعدتها الأختان سابين شيخاني وماري إيلي حبيش. وقد بدأت الراهبات نشاطهنّ هناك في منزل قدّمه إليهن القاضي غانم إلياس وشملهنّ برعايته على مختلف الصُعُد. وبعد وقت قصير أصبح هذا العقار بالإضافة إلى عقار ملاصق له ملكًا لهنّ. وقد حظيت مدرسة هؤلاء الراهبات بعطف ظاهر من السلطات السوريّة، فازدهرت بوجه مميّز لدرجة أنّها ضمّت حوالى 1200 طالبة في مختلف مراحل التعليم. وظلّت تمارس نشاطها حتّى 1967 حيث أقفلت المدارس الكاثوليكيّة هناك. ومن بين خرّيجاتها زوجة الرئيس السوريّ حافظ الأسد.

أمّا في اللاذقية فبدأت الجمعيّة نشاطها بفتح مدرسة ابتدائيّة العام 1943، بإدارة الأخت كريستين خوري، ثمّ تحوّلت إلى مدرسة إعداديّة فثانويّة العام 1947. وتمّ أيضًا بناء مدرسة حديثة كان يقصدها مجموعات من الطالبات من مختلف أنحاء سوريا وفيها فرع داخليّ، وظلّت مزدهرة حتّى موعد إقفالها العام 1867.

وفي ما يتعلّق بالخدمات الصحيّة لهذه الجمعيّة في مختلف أرجاء سوريا نذكر:

  • إدارة مستشفى طرطوس الوطنيّ 1946-1954

-    إدارة مستشفى حمص الوطنيّ 1949-1973

-    إدارة مستشفى المجتهد في دمشق 1956-1965

-    إدارة مستشفى اليازجي الخاصّ في اللاذقيّة 1954-1964

بعد إقفال هذه المدارس والمؤسّسات الصحيّة انصرفت الراهبات في البلاد السوريّة إلى الخدمة الروحيّة والاجتماعيّة من تعليم دينيّ في الرعايا، وتوجيه أخلاقيّ واجتماعيّ للنشء الجديد إلى فتح بيت لطالبات الجامعات في دير اللاذقيّة وحضانة للأطفال في بانياس.

 

الفصل الثالث
واقع الجمعيّة التربويّ 

 

أوّلًا: زيارات راهبات العائلة المقدّسة

في رسالة وجّهها البطريرك الحويّك بتاريخ 14 آب 1915 إلى هذه الجمعيّة، شدّد على أنّ هذه الجمعيّة هي جمعيّة رهبانيّة رسوليّة تهدف إلى الاتّحاد بالله وخدمة البشر.

وهذه الجمعيّة – وكما مرّ معنا سابقًا- حملت هموم التربية والتعليم وتولّت رسالة نشر العلم والثقافة في لبنان، وتربية النشء، تربية مسيحيّة وإنسانيّة وعلميّة تساعد الناشئ على تلوين شخصيّته الجسديّة والمعنويّة والعقليّة، وترسيخ حريّة تفكيره وانفتاحه على الغير بروح من المسؤوليّة الواعية.

وإدراكًا من الجمعيّة أهميّةَ الدور التربويّ في بناء الوطن والمواطن، فقد أنشأت مكتبًا تربويًّا يعمل لوضع خطط تربويّة تتجسّد من خلال سياسة تربويّة واعية تعمل الجمعيّة على تطبيقها على أكمل وجه، وفق تعاليم الكنيسة المقدّسة في مجالي التربية والتعليم. ولمناسبة اليوبيل المئويّ لتأسيس الجمعيّة، نظّم المكتب المذكور مؤتمرًا تربويًّا تركّز جدول أعماله على نقطتين فقط: 

1 - شموليّة التربية 

2 - التأهيل، والتأهيل المتواصل

إنعقد المؤتمر على ثلاث مراحل وغطّى بوجه كامل جميع المناطق اللبنانيّة: 

الأوّلفي حوش حالا لمدارس البقاع،

والثانيفي فتقا ومخصّص لمدارس بيروت وجبل لبنان والجنوب،

والثالث في طرابلس لمدارس الشمال وذلك طوال الفترة الواقعة بين 16 آذار و28 منه 1995.

لقد توسّعت المناقشات وتشعّبت وتمحورت هذه المواضيع على خمسة محاور:

المحور الأوّل: المتعلّم

1.   الاهتمام بإعداد الناشئ إعدادًا محكمًا، ما يساعده على التطوّر والنموّ بوجهٍ سليم.

2.   تدريب الناشئ على الاستفادة من الآلة واستعمالها بالوجه السليم والفعّال.

3.   ضرورة التوفيق بين التكنولوجيا والكتاب في التعليم والتثقيف. 

المحور الثاني: المعلّم

  1. المعلّم هو المساهم الأكبر في عمليّة التعلّم ولا بديل له مهما تطوّرت التكنولوجيا، وخاصّ من جهة كونه القدوة والمثال.
  2. يجب أن يؤمن المعلّم بالديموقراطيّة في التفكير وبحريّة الرأي. 
  3. على المعلّم أن يخضع دائمًا لعمليّة تأهيل وإعادة تأهيل ليظلّ محافظًا على دوره الرياديّ في عمليّة التربية والتعليم.

المحور الثالث: الإدارة

الإدارة هي المحرّك الأساسيّ في العمليّة التربويّة وهي رأس الهرم التربويّ في المؤسّسة التربويّة. ومن أهمّ مسؤوليّاتها:

  1. توفير الإطار الضروريّ والمناسب والملائم للولد لتأمين أفضل الظروف التربويّة له.
  2. تنظيم لقاءات وندوات وحلقات حوار بين أعضاء الأسرة التربويّة كافّة وخاصّةً الأهل، لتهيئة أهمّ الظروف لنجاح عمليّة التعلّم.
  3. تأمين التأهيل الدائم والمتواصل للمعلّمين والمتعلّمين من خلال عقد دورات تربويّة لمدارس الجمعيّة (دورات تدريبية). 
  4. التطوّر العلميّ والثقافيّ وإغناء المكتبات ومراكز التوثيق بكلّ ما من شأنه أن يوفّر أفضل الظروف التربويّة للتعلّم.
  5. إستحداث جهاز توجيه تربويّ ومهنيّ في المدارس يبدأ عمله ابتداءً من المرحلة المتوسّطة.
  6. ضرورة أخذ الإدارة بعين الاعتبار بواقع المعلّم الماديّ والمعنويّ والعمل على تأمين الشروط الماديّة والمعنويّة ليقوم برسالته التربويّة على أكمل وجه.
  7. تشجيع النشاطات اللاصفيّة كالرياضة والفنون والمسرح وإدخالها في صلب المنهج الرسميّ.
  8. الاهتمام بالتربية وتعزيز التفاعل البنّاء بين المدرسة والبيت.
  9. التعامل مع الواقع بجديّة وحذر في الوقت نفسه، وتثقيف الناشئة على أسس علميّة موضوعيّة، تساعدهم على اختيار الأفضل من البرامج التي تعرضها وسائل الإعلام.

 

المحور الرابع: الأهل

يؤدّي الأهل دورًا أساسيًّا في العملية التربويّة سلبًا أم إيجابًا. ويقول قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني إنّ العائلة هي المربّية على السلام. ويركّز هذا المحور على ما يلي:

  1. لا بديل عن دور الأهل في العمليّة التربويّة، 
  2. ضرورة التواصل المستمرّ بين الأهل والإدارة والهيئة التعليميّة لبلوغ أقصى النتائج الفعّالة في العمليّة التربويّة
  3. ضرورة مشاركة الأهل في الاجتماعات والندوات واللقاءات التي تعالج المشكلات التربويّة داخل المؤسّسات لإبعاد آثارها السلبيّة عن عملية التعلّم

المحور الخامس: الدولة 

الدولة هي المرجع الأعلى في وضع السياسة التربويّة والضامن الأوّل لحقوق المتعلّم والمواطن، وخاصّة في ما يتعلّق بوضع المناهج التربويّة التي يجب أن تكون وفق الأسس التالية: 

  1. المناهج الحاليّة توقّفت عن مجاراة التطوّر العلميّ والتكنولوجيّ منذ عقود من الزمن، وهي بالتالي بحاجة إلى تطوير وإصلاح وتأهيل لتصبح ملائمة لإعداد مواطن صالح ووطن متطوّر.
  2. على الدولة تأمين التعليم لجميع المواطنين مع الحفاظ على حريّة الاختيار التي يكفلها الدستور.
  3. العمل على إنشاء مكتبات عامّة، أو مراكز رياضيّة وفنيّة في البلديّات والمؤسّسات العامّة.

إنّ مدارس راهبات هذه الجمعيّة وأديرتهنّ موزّعة في مختلف مناطق لبنان وهي:

دير الأحمر، حوش حالا– بيروت- مستشفى بيروت، مدرسة حارة حريك– أنطلياس– صربا– غادير–شكّا– مزيارة– دوما–البترون- سمار جبيل- الدير الأمّ (عبرين) مركز الرئيسة العامّة مدرسة صورات، ومدرسة جبيل هي المركز الأوّل لجمعية العائلة عمشيت[25].

وأخيرًا نختم كلامنا بأنّ رسالة التربية هي مسؤوليّة خطيرة، ورسالة وطنيّة لا يمكن التساهل فيها، وعلى القيّمين على الشؤون التربويّة أن يأخذوا واجباتهم على محمل الجدّ، ويجب أن يعملوا بمنتهى التعاون مع جميع المسؤولين لبناء الوطن والمواطن على مختلف الصُعُد، وعلى أكمل وجه.

 

ثانيًا: الأبعاد التربويّة من جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات

إنّ هذه الجمعية تهدف إلى تربية النشء على مبادئ الديانة المسيحيّة وشرائعها ومبادئ الفضيلة التي يجب أن تعمّر البيوت والعائلات وتصون الحياة الاجتماعيّة من الفساد (هذه الأفكار قد وردت في الرسالة الموجّهة من البطريرك الحويّك إلى الراهبات بتاريخ 14 آب 1915 "صوت المؤسّس") ومن خلال هذه الرسالة وغيرها من مواقف البطريرك وتعليمه نستنتج أنّ التربية بنظره تقوم على الأسس التالية:

أ - الاعتماد في التربية على سنن الديانة المسيحيّة 

ب - لقد ميّز الحويّك في أوائل القرن العشرين بين العلم والتربية، واعتبر أنّ العلم وحده لا ينفع لبناء الشخصيّة البشريّة، بل يجب أن يُربط دائمًا بأهداف دينيّة وتربويّة، ويشدّد في الرسالة الحادية عشرة على أهميّة القراءة والمطالعة، وخاصّةً في الكتب ذات الطابع الدينيّ والتوجيهيّ، وفي الرسالة السابعة يشدّد على أنّ تعليم الفتاة ليس هدفًا بحدّ ذاته بل يجب أن يكون وسيلة لسدّ الخلل وتقويم الاعوجاج الذي قد طرأ على الحياة الاجتماعيّة وصولًا إلى السيرة الملائكيّة والكمالات المسيحيّة التي يكون تأثيرها في النفوس أنجح وأفعل. 

إنّ القوانين الأولى في الجمعيّة ركّزت على المبادئ التربويّة السليمة وتتوجّه إلى الراهبات للتركيز في تعليم البنات على تربية دينيّة كاملة مع التشديد على احترام الوالدين والمسنّين والكهنة، وتجنّب عشرة الأشرار، وبالإضافة إلى ذلك شدّدت القوانين والتعاليم الأولى على ترسيخ مبادئ العفّة والطاعة وحبّ المسؤوليّة والقيم المسيحيّة كافّةً في نفوس البنات بطريقة عذبة ليّنة؛ وإذا كان لا بدّ من توبيخ فيجب أن يتمّ ذلك بكلام لطيف ومفيد لبلوغ الفائدة القصوى منه.

وفي ما يتعلق بالراهبة المعلّمة فعليها أن تعلّم أنّ تربية هؤلاء الفتيات إنّما هي خدمة للمعلّم الإلهيّ نفسه.

وعلى هذا الأساس الدينيّ والإيمانيّ بدأت هؤلاء الراهبات بفتح المدارس تأديةً لرسالة إنسانيّة مسيحيّة، مشدّدة على تربية الشبيبة وتثقيفها بالإضافة إلى تحصيل العلوم المختلفة متوخّيات من وراء ذلك إظهار وجه المسيح للعالم والعمل على بلوغ الكمال المسيحيّ، وذلك لتحصين الناشئة ضدّ كلّ مظاهر الانحراف والفساد والبدع التي تهدّد المجتمع والكنيسة والإيمان المسيحيّ المميّز. وبذلك تشعر الناشئة بأهميّة الاعتماد على روح الإنجيل وقيمه ولو على حساب الحياة المادّيّة والاقتصاديّة.

إنّ جمعيّة العائلة المقدّسة وبعد مرور أكثر من قرن على ظهورها إلى الوجود لا تزال تعي الرسالة التي وجدت من أجلها ومقتنعة بضرورة الاستمرار فيها والتشبّث بمبادئها التي تبقى – بنظرها- الأساس لكلّ تربية قديمة أو حديثة أو مستقبليّة، وهذه التربية ترتكز على المقوّمات والأسس التالية:

  • التربية على الإيـمان

-    التربية على الانضباط واحترام القانون والنظام

-    التربية على المحبّة

-    التربية على الحشمة والتهذيب والآداب

-    التربية على الحريّة المسؤولة والديموقراطيّة الحقّ.

وفي هذا السياق لا بدّ من أن نستوحي رسالة الحويّك الصادرة في 14 آب 1927 إلى الرئيسة العامّة الأمّ جوزفين قائلًا لها: راقبي، نبّهي، حرّضي، وتدبّري، وتيقّظي، حتّى تبقى الجمعيّة سائرة في طريق التقدّم، وحثّ الراهبات على إنشاء أخويّات في المدن التي يعملن فيها، وينشرن بواسطتها التعليم المسيحيّ بين البنات والنساء والأمّهات، ويسهرن على وقاية البنات والأمّهات من المخاطر العصريّة. إنّ نظرة سريعة إلى مضمون هذه الرسالة الوصيّة تؤدّي إلى صياغة خطّة وقائيّة على خطى البطريرك الراحل وتتضمّن العناصر التالية:

أ - تنظيم دورات توعية وإجراء جلسات حوار مع أهالي الطلّاب للعمل سويًّا من أجل تحقيق أهداف تربويّة واحدة متكاملة. فيتكامل بذلك عمل البيت والمدرسة في خطّ إنسانيّ وإيمانيّ واحد متكامل.

ب -إدراكًا لخطورة الإعلام في نشر الفساد بمختلف وجوهه لا بدّ من إعداد حملات مبرمجة مضادّة ومدروسة ودحضالادّعاءات والأكاذيب المغرضة والفاسدة والمفسدة للأخلاق والضمائر، وخاصّةً التلفزيون ومختلف وسائل الاتّصال المرئيّة، ما يسهّل على المشاهد أن يميّز بين البرامج المضلّلة والبرامج التي يمكن كلًّا منّا أن يستفيد منها.

ج -العمل على ملء الأوقات وخاصّةً أوقات الفراغ لدى الناشئة بأمور ونشاطات مفيدة تنمّي عقولهم وأجسادهم، وتساهم في استقرار نفسيّاتهم وترضي أذواقهم، وذلك من خلال إيجاد حركات ثقافيّة ورياضيّة كشفيّة عبر تنسيق وتعاون متبادلين بين المدرسة والأهل وهيئات المجتمع المدنيّ على أنواعها.

إنّ هذا الواقع الذي نتحدّث عنه يجب أن يكون حاضرًا في أذهاننا عندما نخطّط للمستقبل في أيّ مجال من المجالات، وابتداءً من مرحلة الطفولة لدى ناشئتنا، يجب أن نضع الخطط المستقبليّة منطلقين من الجذور، ومن المنابع الأصيلة الصامتة ومن الأصالة اللبنانيّة وروح الإنجيل، وبذلك نضمن لأجيالنا مستقبلًا مشرقًا بالرغم من العثرات والظروف السيّئة التي نعيش اليوم في ظلّها.

 

الفصل الرابع​

الرئيسات العامّات اللواتي خلفن الأمّ روزالي نصر 

1 - الأمّ استيفاني كردوش- الرئيسة العامّة الثانية 1899-1927

بعد استشهاد الأمّ روزالي بأسبوع أرسل البطريرك الحويّك كتابًا إلى الأمّ استيفاني كردوش في 30 آب 1899 يعيّنها بموجبه رئيسة عامّة للرهبنة المذكورة، ويحثّها على الالتزام بقوانينها، ونشر روح المحبّة المسيحيّة بين أفراد الجمعيّة والعمل على كلّ ما يؤدّي إلى خلاص النفوس على خطى الرئيسة الشهيدة[26].

إنّ الرئيسة الجديدة كانت في ريعان الشباب وقليلة الخبرة في تولّي مهامّ خطيرة من هذا النوع. ولكنّها تحمّلت المسؤوليّة بجديّة وجدارة بالرغم من الفراغ الذي تركه غياب الأمّ روزالي، وظلّت تمارس مهامّ الرئاسة العامّة حتّى العام 1927. وأعربت طوال تولّيها مسؤوليّات الرئاسة العامّة عن كفاءة وجدارة وثقة بالنفس ووداعة مقرونة بالحزم أحيانًا إذا اقتضت الظروف ذلك. كما تميّزت بالتقوى، والانصراف الدائم الى الصلاة والتأمّل وقراءة الكتاب المقدّس والكتب الدينيّة وخاصّة: الإقتداء بالمسيح[27]. أمّا دير العائلة في عبرين فكانت فيه تشرف شخصيًّا على أعمال البنّائين والعمّال وتناقشهم في أعمالهم. 

لقد وضع الحجر الأساسيّ لكنيسة الدير 1907 وكرّسها الحويّك 1913 وقد أنجز البناء نهائيًّا 1917 كما أُنشئت مدرسة داخليّة في الدير، بالإضافة إلى بناء 20 مدرسة وتأسيسها طوال مدّة ولايتها بما في ذلك بيروت، وذلك بهمّة المتبرّعين والمحسنين.

تميّزت الأمّ استيفاني بالطاعة وبالمحافظة على شعارها في العمل: "إلهي وجمعيّتي". وقد صرفت فترات طويلة من وقتها في خدمة المرضى والأيتام ومساعدة الفقراء وأنشأت ميتمًا للفتيات. ومن ناحية اهتمامها بالأمور الروحيّة فقد جعلت مقرّ الجمعيّة في عبرين مركزًا للرياضات الروحيّة السنويّة للراهبات[28].

بعد انقضاء عشرين عامًا على رئاستها العامّة أصرّت على إجراء انتخابات جديدة، فانتخبتها الراهبات بالإجماع مرّتين متتاليتين: 1919 و1924. واحتفلت الأخوات بيوبيلها (25 سنة). 

أمضت فترة رئاستها بالمشاريع والأعمال العائدة بالخير على رهبانيّتها حيث توفّيت عن عمر 57 عامًا بعد أن أسّست 15 ديرًا ومدرسة ونقلت المدرسة الداخليّة من عبرين إلى البترون وبذلت عناية فائقة للاهتمام بالفتيات اليتيمات والسهر على راحتهنّ وتهذيبهنّ. 

نهايتها: في أواخر حياتها بدأ المرض ينتابها فكانت تتقبّله بفرح وسعادة مسلّمة تسليمًا مطلقًا إلى العناية الإلهيّة. وعند اشتداد ألمها كانت تقبل الصليب بنفس عذبة تقيّة متشبّهة بالمسيح المتألّم على الجلجلة، وترافقه على دروب الألم والعذاب. وعندما دخلت مرحلة الاحتضار والنزاع الأخير كانت تحدّق وهي على فراش الموت بالمصلوب وترسم مرارًا على وجهها إشارة الصليب. وآخر كلمة حفظتها قبل أن تسلّم الروح لخالقها: "يا عذراء"[29].

2 - الأم الرئيسة العامّة جوزفين الحويّك 1927-1961[30]

عندما انتقلت الرئيسة العامّة استيفاني إلى جوار ربّها كانت في ذروة نشاطها وعطائها، لذا فإنّ نبأ وفاتها نزل كالصاعقة على أخواتها الراهبات وعلى أهل الجوار من عارفيها ومُحبّيها، فتولّت الرئاسة العامّة بدلًا منها الأمّ جوزفين الحويّك ابنة أخي البطريرك. وقد لاقت منه تشجيعًا ورعاية ودعمًا مطلقًا إلى أن فارق الحياة العام 1931.

ظلّت الأمّ جوزفين في أداء رسالتها طيلة أربع وثلاثين سنة مقيّدة بسيرة المؤسّس والرئيستين السابقتين، وسائرة بالرهبانيّة في طريقها الصاعدة. كانت باكورة أعمالها الرسوليّة تأمين الإرشاد الروحيّ لبنات الجمعيّة والسعي لإقامة رياضات روحيّة دائمة، وذلك بالتعاون مع جمعيّة المرسلين اللبنانيّين، ونالت هذه السياسة الناشطة بركة المؤسّس الذي كان يكلّف بعض رهبان مؤسّسة الكريم بإلقاء المواعظ والرياضات الروحيّة. وكانت الرياضة الأولى قد أقامها الخوري إسطفان قزاح رئيس عامّ جمعيّة المرسلين.

لقد تميّزت الأمّ جوزفين بنفسيّة وديعة وعقل راجح، وروح متجرّدة وكانت صاحبة عزم وإرادة صلبة على غرار قول المعلّم الإلهيّ: "تعالوا إليّ وتعلّموا منّي لأنّي وديع ومتواضع القلب"، كما اهتمّت بالعمل على تركيز قوانين الجمعيّة. وفي صلاتها اليوميّة كانت تتجلّى عبادتها للعذراء وللقربان الأقدس، أمّا محبّتها للحياة العائليّة فكانت مميّزة، وتتجلّى سعادتها عندما تلتقي الأخوات لحضور الرياضة الروحيّة في دير العائلة وتتبادل معهنّ الأحاديث والآراء المفيدة لتطوير عمل هذه الجمعيّة، ذلك لإعتبارها أنّ البشريّة عائلة واحدة لآب واحد هو الله.

ومن أوجه علاقاتها المميّزة بالراهبات أنّها كانت تشجّعهنّ على إقامة زيارات روحيّة واجتماعيّة إلى البيوت لإسداء النصائح الروحيّة إلى العائلات. كما اهتمّت بتأمين التعليم المسيحيّ للأولاد وللناشئة. وممّا أدخل السعادة في قلبها أمران: الرابطة الروحيّة بين جمعيّة العائلة المقدّسة والآباء المرسلين، ونقل رفات المؤسّس إلى دير العائلة في 8 أيّار 1936، وفي عهدها أصبح عدد مؤسّسات جمعيّتها 73 مؤسّسة في لبنان، ثمّ امتدّت إلى سوريا في بانياس واللاذقيّة وبناءً على طلب أهالي هاتين المدينتَيْن، فتحت فيهما مدرستَيْن ثانوّيَتين، بالإضافة إلى تولّي بعض راهبات هذه الجمعيّة إدارة بعض المستشفيات الحكوميّة في اللاذقيّة وطرطوس وحمص ودمشق بالإضافة إلى مدرسة ابتدائيّة في حلب. وكانت الأمّ جوزفين تشرف عليها جميعها وتزورها وتتفقّد أحوالها وتمنحها الاهتمامَ الزائد.

كما حرصت هذه الرئيسة العامة على إقامة تبادل ثقافيّ مع راهبات فرنسيّات بهدف تعزيز الفنّ والموسيقى في المدارس. ومن أضخم الأعمال الفنيّة لهذه الجمعيّة كنيسة سيّدة لبنان في الأشرفيّة بموهبة الفنّان يوسف الحويّك ومعبد دير العائلة على ضريح المؤسّس.

وتقديرًا لأعمال هذه الأمّ وإنجازاتها على مختلف الصعد، قلّدها الرئيس ألفريد نقّاش وسام الاستحقاق اللبنانيّ المذهّب، وذلك في احتفالٍ مهيب أُقيم في دير العائلة.

في العام 1961، وبعد أن أرهقتها جسامة المسؤوليّة اعتزلت من جميع مهامّها ومسؤوليّاتها لتتفرّغ للعبادة والصلاة. وظلّت على هذا المنوال طيلة ثلاث سنوات، والعام 1964 (6 شباط) فارقت الحياة وهي تلقي النظرة الأخيرة على الصليب. 

3 - الأمّ مارت عنداري الرئيسة العامة الرابعة[31]

عملت هذه الأمّ على نشر روح التقوى والنظام، والجرأة وروح المبادرة الشجاعة، ووضعت نصب عينيها المحافظة على أمانة الرسالة والسعي الدؤوب لتطوير مسيرتها باضطراد. ومن مبادراتها المميّزة والسابقة لعصرها فتح المجال أمام الراهبات للالتحاق بالجامعات في لبنان وفرنسا وأميركا للتخصّص في مختلف الميادين ما يفتح أمامهنّ السُبُل لتنمية ثقافتهنّ وتطوير شخصّيتهنّ لتحقيق المآثر والإنجازات التي تؤدّي إلى خدمة الكنيسة والوطن. كما جدّدت نظام المستشفى اللبنانيّ في الأشرفيّة بالتعاون مع راهبات كنديّات استدعين خصيصًا إلى لبنان للقيام بهذه المهمّة .

تميّزت بحبّها للنظام والقانون والترتيب، وشدّدت على كلّ الأمور التي تتعلّق بالتهذيب واللياقة والهندام الخارجيّ. وقضت سهرات طويلة لتلقين المبتدئات حبَّ القانون وأصول التهذيب. كما عُرفت بجرأتها المدهشة وإقدامها البطوليّ وذكائها المفرط، واتّخاذ الموقف المناسب في الظرف المناسب. 

لذا، فقد نالت وسام الأرز الوطنيّ برتبة فارس، وقلّدها إيّاه باسم رئيس الجمهوريّة الوزير إميل البيطار وزير الصحّة آنذاك.

إمتدّت نشاطاتها ومشاريعها الروحيّة والإنسانيّة إلى أوستراليا تلبيةً لطلبات الجالية اللبنانيّة هناك. وغادرت ثلاث راهبات أرض الوطن العام 1967، وأسّس هناك عدّة مدارس تعلّم اللغات الثلاث: الإنكليزيّة والفرنسيّة والعربيّة.

تولّت مهامّ الرئاسة العامّة مدّة 12 سنة وأحسنت انتقاء المستشارات، وضبطت الأعمال الإداريّة والماليّة ممهّدة الطريق لإيجاد خلف لها في الرئاسة. وانتقلت إلى جوار ربّها العام 1973.

4 - الأمّ الرئيسة العامّة ماري إميل نصر (1973-1991)

بدأت هذه الأمّ حياتها الرهبانيّة على يدّ الأمّ مارت، وبدت عليها منذ طفولتها مظاهر النجابة والذكاء، ثمّ أصبحت راهبة مميّزة في الجمعيّة، وتسلّمت منها زمام الجمعيّة في ظروف أمنيّة صعبة حيث بدأ لبنان يدخل في حرب أهليّة دمويّة. وفي تصريح خاصّ بهذه الأمّ أعلن المطران يوسف مرعي شهادة مميّزة فقال: "لقد أخذت من المؤسّسة اسمها ومن الأمّ استيفاني قدرتها ونظرتها إلى البعيد (إلى المستقبل) ومن الأمّ جوزفين قداستها، ومن الأمّ مارت عنداري حكمتها، ومن الأخت كلوتيلد الحويّك روحانيّتها، ومن الأخت فيلومين أبي صعب نشاطها، ومن الأخت ماري مادلين بستاني رصانتها. وفوق كلّ ذلك فقد تميّزت بشفافيّة ضميرها، وحكمتها في الإدارة، وحياتها النسكيّة الخاليّة من كلّ بهرجة.

فالأمّ ماري إميل نصر قد مثّلت بين أخواتها وجه الأمّ الحنون، المتألّم لكلّ بائس أو مشرّد. وبالرغم من أنّها تولّت المسؤوليّات الجسيمة في عمر مبكّر، فكانت مربّية الأجيال، وقضت معظم حياتها في دير عبرين أوّلًا كمساعدة في الابتداء، وكمعلّمة لمبتدئات طيلة 28 سنة 1945-1973، ومشيرة في مجلس الإدارة 1973-1991، مظهرةً كلّ اتّكال على العناية الإلهيّة في تسيير أمور الرئاسة.

لقد تميّزت أيضًا بتقواها وإرادتها الحديديّة في مجابهة الصعاب والعقبات المختلفة وشدّدت على ضرورة التقيّد بالقوانين، وعلى المحبّة الأخويّة حيث تحلّت بإصغائها العميق لكلّ أخت والأخذ برأيها إذا وجدت ذلك ملائمًا، وبكلّ احترام. وفي أثناء الحرب الأهليّة اللبنانيّة وما رافقها من تهجير ومجازر فتحت أبواب الدير لنجدة المهجّرين وإغاثتهم. وباختصار لصفاتها يمكن القول إنّ ثلاث صفات مميّزة قد طبعت شخصيّتها:

  • صفاء الضمير،

-    حنان الأمّ،

-    حكمة القائد. 

وفي بداية عهدها أعيد النظر بصلاة الفرض التي تؤدّيها الراهبة يوميًّا ووضع كتاب:صلاتي في الكنيسة،وصيغت القوانين صياغة جديدة مستوحاة من روحيّة مقرّرات المجمع الفاتيكانيّ الثاني. ومن أهمّ مشاريعها المعروضة بناء دار "سيّدة الجبل" في فتقا –كسروان، هذا الدير الذي يحكي بفخامته وروعته عظمة تطلّعاتها المستقبليّة.

إلّا أنّ هذه المشاريع التي أدخلت السعادة والفرحة العارمة في قلبها، وقد صدمتها رؤية بعض الأديار قد دمّرت أو أقفلت أو احتلّت في الحرب، وخاصّةً في بحمدون وحارة حريك وكفرسلوان ورمحالا والجيّة وبيت الدين وكثير من الأديار الأخرى والمؤسّسات التي تضرّرت من القصف، من المستشفى اللبنانيّ (الجعيتاوي) إلى مدارس بيروت وأنطلياس والزلقا وطرابلس والبترون ودير العائلة الذي أصيب إصابات مباشرة في كنيسته الرائعة الجمال. ولكنّ هذه الصدمات لم تُدخل اليأس في قلبها بل زادتها عزمًا وتصميمًا على مجابهة التحدّيات.

في العام 1992 قلّدتها السيّدة منى الهراوي الرئيسة الأولى وسام الأرز الوطنيّ برتبة فارس.

5 - الأمّ جيلبرت فارس الرئيسة العامّة السادسة (1991)

تولّت الرئيسة العامّة مهامها العام 1991، وطوال ولايتها أحيت الجمعيّة العام 1995 اليوبيل المئويّ لتأسيس الجمعيّة، وفي هذه الفترة بدأت الاستعدادات لاستقبال الألفيّة الثانية بأمل ورجاء، بأن تحمل معها تباشير الخير والسلام.

في هذه الأجواء بدأت الأمّ جيلبرت ومجلس إدارتها بأعضائه الأربعة تعمل لمجابهة تحدّيات العام ألفين، مع العزم الصادق على إكمال المسيرة وتحقيق الأهداف التي رسمها "المؤسّس" البارّ لهذه الجمعيّة الهادفة إلى خدمة أبناء لبنان كلّ لبنان، وتعمل بتوجيهات غبطة البطريرك نصرالله صفير والسادة الأساقفة في كلّ أبرشيّات الطائفة، وخاصّةً في ما يتعلّق بخدمة العائلة اللبنانيّة من خلال توفير التربية الصالحة لشبيبتنا على مبادئ الدين الفاضلة.

إنّ سياسة الأمّ جيلبرت في إدارة شؤون هذه الجمعيّة تقوم على حياة روحيّة مسيحيّة رهبانيّة أصيلة هي صورة عن روحيّة العائلة المقدّسة وروحانيّتها، أي روح تتميم المشيئة الإلهيّة، روح المحبّة والفقر والطاعة والعمل، روحانيّة الابن المتجسّد، وطاعة القدّيس يوسف القائمة على الإيمان والعمل الصامت، وتقبّل مريم في بيوتنا[32].

في عهد الأمّ جيلبرت انتهت صياغة قوانين الجمعيّة من قبل بعض الأخوات وبمشاركة خبراء مختصّين، وطبعت بوجهٍ نهائيّ في عهدها، ووضعت برنامج عمل سنويّ لنشاطاتها. فالسنة الأولى اختارت عنوانًا لعملها "المحبّة" وحثّت الراهبات على العمل المتّسم بالعطف والمحبّة وخاصّةً محبّة القريب. هذه المحبّة التي لا تعرف حدودًا ولا شروطًا تمامًا كالمحبّة التي عاملنا بها المخلّص. أمّا السنة الثانية فكان عنوانها: "سنّة الصلاة" وشدّدت على الأخوات أن يكون كلّ عمل من أعمالهنّ صلاة فعليّة. وبالتالي يصحّ كيان كلّ واحدة منهنّ فعل صلاة، وذبيحة مقدّسة مرضيّة عند الله. وفي ما يتعلّق بالسنة الثالثة[33]فقد اختارت لها عنوان:"سنة الرسالة"، هذه الرسالة المبنيّة على المحبّة والصلاة حتّى تكون حياتهنّ المكرّسة حياة رسوليّة في جوهرها وأهدافها وأبعادها. وبالمحبّة تتوق إلى امتلاك المسيح لقلبها فيحرّر رغباتها، وبذلك تستطيع كلّ أخت أن تعمل بتجرّد في أثناء قيامها بخدمة القريب بوداعة وتواضع قلب[34].

أمّا السنة الرابعة فهي سنة "اليوبيل" أي سنة القداسة المتمثّلة بقداسة السيرة وإشعاعها على الآخرين، وهي نعمة على الإنسان لأنّها تعيده إلى الينابيع. ففي رأي الرئيسة يجب أن تكون هذه السنة مليئة بالتأمّل والصلاة وهي أيضًا سنة تجديد العهد على الأمانة للروح القدس، مع الحفاظ على مبادئ البساطة والفرح والمشاركة[35].

إنّ روحيّة الأم جيلبرت وروحانيّتها قد تجلّتا في كلمة افتتاح اليوبيل المئويّ، دعت فيها للعودة إلى الينابيع، ينابيع الصفاء والأصالة فأشادت أوّلًا بالمؤسّس البارّ البطريرك الحويّك الذي دعته "رجل العناية"، ومن الرئيسة الأولى الأمّ روزالي استقت روح الإقدام حتّى الشهادة، ومن الرئيسة استيفاني تعلّمت التجرّد المطلق والإدارة الحديديّة في تتميم الواجب ضمن شعار: "الله وجمعيّتي" .

أمّا الأمّ جوزفين فقد بهرتها بتقواها ووداعتها وسخاء كفّها في العطاء. وأمّا الأمّ مارت فأعجبت بمزايا عديدة لديها أبرزها رحابة الصدر والانفتاح والفطنة والدقّة والإتقان في العمل. أمّا الأمّ ماري إميل فاعتبرتها رمز الحكمة والإيمان المقرون بالمحبّة والعناية بالفقير، كما توجّهت في مقدّمة كلمتها إلى كلّ أخت جاهدت الجهاد الحسن، وأتمّت شوطها وقد أعدّ لها إكليل البرّ.

إنّ رسالة الأمّ جيلبرت تتجسّد بالحفاظ على هذه الوديعة بعون الروح القدس، وبكلّ ما حباها الله به من صفات إنسانيّة كالعلم والذكاء والوداعة، ومن صفات روحانيّة رهبانيّة وخاصّةً التواضع والفقر والتقوى، ومن صفات إلهيّة: الإيمان والرجاء والمحبّة. ومن خلال هذه الشخصيّة الرضيّة التقيّة تحثّ أخواتها على أن يحفظنها خميرة صالحة في العقل والقلب والروح فتقدّس حياتهنّ. 

خاتـمة

إنّ هذا البحث الموجز حول جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات ومؤسّسها البطريرك إلياس الحويّك جعلني أسلّط الضوء على هذه المؤسّسة المارونيّة الوطنيّة التي خصّصت نفسها لاحتضان طلّاب العلم، والمرضى واليتامى والمعوزين ومن مختلف الطوائف، كما كانت معقلًا للإيمان الواعي الناضج المزيّن بالفضائل السامية والقيم المسيحيّة النبيلة. وأصبح كلّ دير من أديرتها، وكلّ مؤسّسة من مؤسّساتها منارةً روحيّة ووطنيّة تشعّ منها أنوار الفضائل، وشعلة المحبّة والتواضع والإيمان والتضحية. وهذا ليس بكثير على مؤسّسة نشأت على أيدي مؤسّس بارّ سلك منذ نعومة أظافره طريق الفضيلة التي غرفها من البيت الوالديّ الذي ولد وترعرع فيه، ليصل عند انتقاله إلى جوار ربّه إلى عتبة القداسة التي نأمل بأن نجده يومًا في مصافّ القديّسين والأبرار إلى جانب شربل والحرديني فيصبح لنا بذلك شفيعًا جديدًا في السماء.

 

المصادر والمراجع

1.      الخوري يوسف أسعد داغر، بطاركة الموارنة، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1957 ص109-110؛ الأب إغناطيوس سعادة، المؤسّسان إلياس الحويّك ويوحنّا حبيب، ص54-56 من محاضرة ألقيت في دير العائلة في عبرين في 28 أيّار 1995. 

2.      المطران بولس إميل سعادة، المنارة1995، السنة 36، محاضرة ألقيت في مدرسة تنّورين، في 14 أيّار 1995، ص18 بعنوان: "وجه البطريرك الحويّك الكنسيّ"، 20.

3.      بطرس حرب، ص97.

4.      الخوري إسطفان إبراهيم الخوري، وثائق البطريرك الحويّك السياسيّة في أرشيف بكركي من مقدّمة كتاب تاريخ الموارنة(الغلاف الخارجيّ). 

5.      المطران خليل أبي نادر، روحانيّة البطريرك الحويّك

6.      سامي سلامة، مفكّرة المطران عبدالله الخوري، منشورات جامعة سيّدة اللويزة، لبنان، 2001، ص138-141

7.      الأستاذ باخوس ص104، مقالة بعنوان "دور البطريرك الحويّك عسّاف الخوري في الإطار الوطنيّ"- محاضرة القيت في مدرسة طرابلس في 16 ك1 1994.

8.      المطران بشارة الراعي (رئيس أساقفة جبيل سابقًا) من محاضرة ألقاها في مدرسة مار يوسف جبيل في 7 ك2 1995، ص153-162 بعنوان:"دور الراهبة في الكنيسة اليوم".

9.      الأخت فيرونا زيادة، جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة، مراحل التأسيس، ص163-164، محاضرة ألقيت في سيدني في أوستراليا، في 3 شباط 1995.

10.   الأخت ماري ريتا مخّول، محاضرة ألقيت في شكا بتاريخ 19 نيسان 1995 بعنوان: "مشروع التأسيس وظروفه" صفحة 172-177، يُراجِع أيضًا مقال آخر للمؤلّفة نفسها بعنوان: "جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات"، مجلّة المنارة، 1990، ص27-40، العدد الخاصّ بالرهبانيّات النسائيّة الشرقيّة في لبنان.

11.   الأب إبراهيم حرفوش، "دلائل العناية الصمدانيّة"، مطبعة المرسلين اللبنانيّين، جونيه، 1934 ص203.

12.   راجع الأخت ماري ريتا مخّول، جمعيّة المرسلين اللبنانيّين وراهبات العائلة المقدّسة المارونيّات"، المنارة، ص271-278.

13.   إنتقال الجمعيّة إلى عبرين 1896، وبلغ عدد أديرتها 1905 خمسة أديرة: عبرين جبيل، عمشيت، كفيفان، قرطبا، ص179.

14.   مقالة الأخت ماري ريتا مخّول، ص174-175.

15.   أرشيف دير العائلة- مقالة الأخت ميراي إلياس، ص206-209. 

16.   سيرة الأمّ إسطفاني تعلّم إحدى الراهبات، ص6- أرشيف دير العائلة.

17.   أرشيف دير العائلة، الأخت ميراي، ص206.

18.   الأخت ماري إلياس، ص112-114 - 209-2012.

19.   قانون عدد 4 و5 60 75 88 ب 

20.   قانون 410- ص190، قوانين جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، إعداد الأخت كلوتيلديبة. 

21.   القانون 418، البند 2 المتعلّق بالحقّ العامّ، ص190. 

 

* الدكتورة ليندا رزق: أستاذة في التاريخ الحديث والمعاصر.

[1]  أسعد داغر، بطاركة الموارنة، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1957 ص109-110؛ إغناطيوس سعادة، المؤسّسان الياس الحويك ويوحنّا حبيب، ص54-56، من محاضرة ألقيت في دير العائلة في عبرين في 28 أيّار 1995.

[2]  بولس إميل سعادة، المنارة1995، العام 36، محاضرة ألقيت في مدرسة تنّورين، في 14 أيّار 1995، ص18 بعنوان: "وجه البطريرك الحويّك الكنسيّ".

[3]    بولس إميل سعادة ، م.س.، ص18-20.

[4]  المرجع نفسه،ص21-24، 105-106، باخوس الخوري الدور الوطنيّ للبطريرك الحويّك.

[5]  المرجع نفسه، ص17-21-24.

[6]  بطرس حرب، ص97.

[7]  إسطفان إبراهيم الخوري، وثائق البطريرك الحويّك السياسيّة في أرشيف بكركي من مقدّمة كتاب تاريخ الموارنة(الغلاف الخارجي)؛ خليل أبي نادر، روحانيّة البطريرك الحويّك.

[8]  سامي سلامة، مفكّرة المطران عبدالله الخوري، منشورات جامعة سيّدة اللويزة، لبنان، 2001، ص138-141.

[9]  باخوس، ص104، مقالة بعنوان "دور البطريرك الحويّك عسّاف الخوري في الإطار الوطني" - محاضرة أُلقيت في مدرسة طرابلس في 16 ك1 1994.

[10]185 القوانين فيما تعلّق بالجمعيّات النسائيّة.

[11]  مرسوم تثبيت البطريرك إلياس الحويّك 1928.

[12]قانون 410 - ص190، قوانين جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، إعداد الأخت كلوتيلديبة.

[13]القانون 418، البند 2 المتعلّق بالحقّ العامّ، ص190. 

[14]33 ص192.

[15]بشارة الراعي (رئيس أساقفة جبيل سابقًا) من محاضرة القاها في مدرسة مار يوسف جبيل في 7 ك21995، ص153-162 بعنوان:"دور الراهبة في الكنيسة اليوم".

[16]فيرونا زيادة، جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة، مراحل التأسيس،ص163-164 محاضرة أُلقيت في سيدني - أوستراليا، في 3 شباط 1995.

[17]  إبراهيم حرفوش، دلائل العناية الصمدانية، مطبعة المرسلين اللبنانيّين، جونيه، 1934 ص203.

[18]  راجع ماري ريتا مخّول، جمعيّة المرسلين اللبنانيّين وراهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، المنارة، ص271-278.

[19]  إنتقال الجمعيّة إلى عبرين 1896، وبلغ عدد أديرتها العام 1905 خمسة أديرة: عبرين، جبيل، عمشيت، كفيفان، قرطبا. ص179.

[20]مقالة الأخت ماري ريتا مخّول، ص174-175.

[21]  عدد 138

[22]  عدد 140-141.

[23]صفحة 199 (مقال الأب يوحنّا السبعلي).

[24]صفحة 200 (مقال الأب يوحنّا السبعلي). 

[25]  إبراهيم حرفوش، مرسل لبنانيّ،زيارة راهبات العائلة، 1932، ص220- 233.

[26]أرشيف دير العائلة- مقالة الأخت ميراي إلياس، ص206-209. 

[27]سيرة الأمّ استيفاني تعلّم إحدى الراهبات، ص6- أرشيف دير العائلة.

[28]أرشيف دير العائلة، الأخت ميراي، ص206.

[29]أرشيف دير العائلة، الأخت ميراي، ص209.

[30]  الأخت ماري إلياس، ص209-212.

[31]الأخت ماري إلياس، 112-114. 

[32]قانون عدد 4 و5. 

[33]قانون عدد 75.

[34]قانون عدد 88 ب. 

[35]قانون عدد 77 وقانون عدد 60.

تحميل بصيغة PDF

تعليقات 0 تعليق

الأكثر قراءة

الذات والعهد ولبنان

دولة لبنان الكبير 1920 – 2021

الوجه المفقود للمسيحيّين في سورية

الأطفال وصعوبات التعلُّم.

شفاء القلب.

الطاقة الخلّاقة للمعاناة

إختر الحياة

لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟

من الصدق إلى الحقيقة

حبّ مُتفانٍ لأرض مُهملة

فنُّ العيش بتناغم

لماذا أخشى أن أحبّ؟

سائحة

ثق فتتجدّد

السعادة تنبع من الداخل

رحلة في فصول الحياة

القرار - إتّباع المسيح في حياتنا اليوميّة

أسرار الناصِرة

العائلة بين الأصالة والحرّيّة

نحو حياة أفضل (5)

الأيادي الضارعة

موعد مع يسوع المسيح

شبيبة متمرّدة

من يهديني؟

لا أؤمن بهذا الإله

اليقظة

حبّ بلا شروط

في بداية الحياة فرح ورجاء

الشعور بالرضا

في سبيل لاهوت مسيحيّ للأديان

دليلُكَ لفهم الأيقونات.

على درب الجلجلة

المنجد

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

الكتاب المقدس - ترجمة جديدة (حجم وسط)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)