لوريم ايبسوم هو نموذج افتراضي يوضع في التصاميم لتعرض على العميل ليتصور طريقه وضع النصوص ؟

author_article_image

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ

الأب دني ماير اليسوعيّ - أبعاد لاهوتيَّة للتَّربية الإغناطيَّة

للتَّربية اليسوعيَّة شهرة عالميَّة. وأساليب التَّربية الحديثة استوحت من هذه التَّربية سمات كثيرة، فمنهجتْها، وأطلقت عليها تسميات، ودعَّمتها بأسسٍ نفسيَّة واجتماعيَّة...

ظهرت هذه التَّربية اليسوعيَّة قبل حوالى خمسمائة عام بشكلٍ عفويّ، إن جاز لنا التَّعبير. إنَّها نبعت من حياة اليسوعيِّين الرُّوحيَّة المرتبطة بروحانيَّتهم ذات السِّمة الأنسنيَّة. روحانيَّة تعتبر الإنسان، بجميع أبعاده، خليقة الله، ومدعوًّا بجميع أبعاده إلى النُّموّ ليتمجَّد به اسم الله القدُّوس. وحيث إنَّ الإنجيل هو أساس كلِّ روحانيَّة مسيحيَّة وكلِّ سلوكٍ مسيحيّ، فإنَّ الأسلوب التَّربويّ اليسوعيّ ينبع من روحانيَّة القدّيس إغناطيوس، مؤسِّس هذه الرَّهبنة، الَّتي ترتكز بدورها إلى الإنجيل. بتعبيرٍ آخر: للتَّربية اليسوعيَّة أسس لاهوتيَّة. وهذا ما حاول الأب الدُّكتور دُني ماير إظهاره في هذا الكتيِّب، الَّذي هو في الأصل محاضرة ألقاها في الجامعة اليسوعيَّة لمناسبة السَّنة الإغناطيَّة 2021-2022.

الكتاب مطبوع بلغتين، الفرنسيَّة والعربيَّة. فيه يتناول الكاتب موضوعه من زاويتين: التَّربية منهجًا، والمربِّي شخصًا يترجم المنهج فيحوِّله إلى واقع. في مجال المنهج، يتوقَّف الكاتب عند موضوعَين: الحرِّيَّة، وصبر الله. فقد خلق الله الإنسان حرًّا، ولكنَّه كمربٍّ إلهيّ، وضع لحرِّيَّة الإنسان حدودًا (الشَّجرة المحرَّمة) غايتها حماية الحياة لا القمع أو إثارة الاستياء. والتَّربية اليسوعيَّة على الحرِّيَّة تقوم على هذه القاعدة. أي إنَّها لا تسعى لحصر المتربِّي في الالتزام بالمسموح والامتناع عن الممنوع، بل تريد أن تنمِّي فيه قدرةً على اختيار ما هو أصلح بوعيٍ وإدراكٍ عميقَين. هذه التَّنمية عمليَّة شاقَّة، ولا بدَّ للسَّقطات من أن تتخلَّلها. فينبغي ألَّا يكون للإخفاق الكلمة الأخيرة. وعلى المربِّي أن يتحلَّى بالصَّبر، وخصوصًا أن يحترم إيقاع تقدُّم المتربِّي، وهو إيقاع يختلف من شخصٍ إلى آخر، ومن هنا تأتي سمة الشَّخصنة في التَّربية اليسوعيّة. فهذه السِّمة تقول: كلُّ إنسانٍ قادر على النُّموّ والتَّحوُّل، والمسألة ليست مسألة وقتٍ وصبر وحسب، بل مسألة إيمانٍ أيضًا. إيمان بأنَّ هذا الشَّخص الَّذي أمامي، بكلِّ الضُّعف الَّذي يُظهِرٌه، قادر على النُّموّ والإبداع وتخطِّي العقبات، وعلى الالتفاف لمتابعة التَّقدُّم إذا ما عجز عن عمليَّة التَّخطِّي. فالمهمّ ليس نقطة الوصول، بل السَّير الدَّائم إلى الأمام بحسب شعار الكشّافة: «دومًا أحسن».

في الكلام على المربِّي، يبدأ الأب دُني بالتَّأكيد على أنَّه ما من تربيةٍ من دون سلطة. لعلَّه، وهو الَّذي من أصولٍ فرنسيَّة، يلمز بعض الشَّيء إلى التَّيَّارات التَّربويَّة الَّتي تشدِّد على ترك الطِّفل على سجيَّته، وإزالة «نير» السُّلطة عنه إزالةً تامَّة. ولكن، يجب ألَّا تُمارَس السُّلطة من الخارج وتُفرَض على المتربِّي فرضًا، بل من الدَّاخل، بوساطة الحوار الَّذي غايتُه فتح أذهان المتربِّي ومساعدته على بناء قناعاتٍ تجعله يلتزم بالفعل الأخلاقيّ لأنَّه يرى فيه خيرًا له، وليس لأنَّه يخشى العقاب إذا خالفه. ويذكر الكاتب قصَّة ابنَي زبدى حين أتت أمُّهما تطلب من يسوع المكان الأوَّل لولديها، فلفت يسوع انتباه ابنيها إلى ما كان غائبًا عن عيونهما: هذا المكان له ثمن باهظ وهو العذاب والدَّم. وحين رأى أنَّهما يوافقان على دفع الثَّمن «بطيش الحماس»، أجاب بتواضع: حسنًا، هذا هو الثَّمن، ولكنَّني لا أضمن إن دفعتماه ستنالان ما تطلبانه بالضَّبط، فالمكان الأوَّل قرار من الله وحده.

الكتاب بوجهٍ عامّ يجمع بين البساطة والعمق. فالكاتب يتنقَّل من حدثٍ إلى حدثٍ في حياة يسوع ليستخلص من هذه الأحداث سماتٍ تربويَّة التزم بها اليسوعيُّون، وكوَّنوا على أساسها الأجيال. ولعلَّ خير خلاصةٍ لما شرحه الكاتب في كتابه قول يذكره للأب بيتر هانس كولفنباخ، الرَّئيس العامّ السَّابق للرَّهبنة اليسوعيَّة، يلخِّص فيه التَّربية اليسوعيَّة على النَّحو الآتي:

«إنّ السَّعي وراء النُّموّ الفكريّ لكلِّ طالب، ليصل إلى كامل مستوى المواهب الَّتي أعطاه الله إيَّاها، يظلُّ هدفًا يميِّز التَّربية اليسوعيَّة. ومع ذلك، لم تهدف هذه التَّربية إطلاقًا إلى تكديس المعارف أو الاستعداد لممارسة مهنة، مع أنَّ هذا كلَّه ضروريّ لقادة الغد المسيحيِّين. فالغاية النِّهائيَّة للتَّربية اليسوعيَّة هي بالأحرى النُّموّ الكامل للشَّخص الَّذي يقوده المربِّي كي يستلهم من الرُّوح القدس ويعمل بالمرجعيَّة إلى يسوع المسيح ابن الله، "الإنسان من أجل الآخرين"».




الأب دُني ماير اليسوعيّ
أبعاد لاهوتيَّة للتَّربية الإغناطيَّة

60 ص. بيروت: دار المشرق، 2022.
ISBN: 978-2-7214-5636-6))



الأب سامي حلّاق اليسوعيّ: راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القِدّيس يوسف - بيروت. له مؤلَّفات وترجمات عدَّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.

تحميل بصيغة PDF

تعليقات 0 تعليق

الأكثر قراءة

الذات والعهد ولبنان

دولة لبنان الكبير 1920 – 2021

الوجه المفقود للمسيحيّين في سورية

الأطفال وصعوبات التعلُّم.

شفاء القلب.

الطاقة الخلّاقة للمعاناة

إختر الحياة

لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟

من الصدق إلى الحقيقة

حبّ مُتفانٍ لأرض مُهملة

فنُّ العيش بتناغم

لماذا أخشى أن أحبّ؟

سائحة

ثق فتتجدّد

السعادة تنبع من الداخل

رحلة في فصول الحياة

القرار - إتّباع المسيح في حياتنا اليوميّة

أسرار الناصِرة

العائلة بين الأصالة والحرّيّة

نحو حياة أفضل (5)

الأيادي الضارعة

موعد مع يسوع المسيح

شبيبة متمرّدة

من يهديني؟

لا أؤمن بهذا الإله

اليقظة

حبّ بلا شروط

في بداية الحياة فرح ورجاء

الشعور بالرضا

في سبيل لاهوت مسيحيّ للأديان

دليلُكَ لفهم الأيقونات.

على درب الجلجلة

المنجد

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

الكتاب المقدس - ترجمة جديدة (حجم وسط)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)