فلنستعدّ لأيّام الذكاء الاصطناعيّ
من الأمور التي أصبحت معروفة من ضمن الثورة الصناعيّة الرابعة، تلك التي تتعلّق بما نسمّيه "الذكاء الاصطناعيّ"، مقارنةً بذكاء الإنسان الطبيعيّ والفطريّ المعروف. فمع انطلاقة هذه الثورة الرابعة التي لـها علاقة وثيقة بالثورة الثالثة وما أبدعته من أدوات جديدة في مجال المعرفة الرقميّة، أصبح هنالك ذكاءان، الذكاء البشريّ، والذكاء الاصطناعيّ وهو مجموعة النظريّات والتقنيّات التي تهدف إلى اختراع الآلات القادرة على محاكاة الذكاء البشريّ من مختلف نواحيه. فما يجب معرفته هو أنّ الذكاء الاصطناعيّ هذا يرتكز على العلوم الحيّة الخاصّة بالأنسجة العصبيّة، وعلى المنطق الحسابيّ وعِلْم المعلوماتيّة، وهو يرمي إلى الوصول إلى منهجيّات حلّ أشدّ المعضلات صعوبة، حتّى تلك التي يعجز عنها الدماغ البشريّ، ممّا يجعل هذا الذكاء فائق القوّة، بحيث يتفوّق أحيانًا على الذكاء البشريّ أساس إبداع الذكاء الاصطناعيّ.
ربّما يستطيع الذكاء الاصطناعيّ التغلّب على الكثير من المعضلات، حتّى السياسيّة منها، بحيث يستطيع المساعدة على إيجاد حلول للكثير من القضايا العالميّة الصعبة، وفي مقدّمها الحروب المستمرّة هنا وهناك إن قبلت الإرادة البشريّة التوافق على ذلك. إلّا أنّ الذكاء الاصطناعيّ وإن توصّل إلى الكثير من الحلول فإنّه لن يستطيع أن يحلّ محلّ الإنسان في تكوين جماعةٍ بشريّة تقوم على مبادئ وقِيَم أخلاقيّة ومواطنيّة، وعلى مبدأ التعاضد والتضامن بين مختلف الأفرقاء الذين يبتدعون الأهداف المشتركة المؤسِّسة لعمل مشترك بينهم ولحياة مشتركة.
إلّا أنّ القضيّة الثانية التي تتناول الذكاء الاصطناعيّ ذات بعد أخلاقيّ. وهنا تُطرَح بعضُ الأسئلة:
الذكاء الاصطناعيّ مرتبط بإنسان آليّ. فما هي يا تُرى حقوق هذا الإنسان وواجباته؟ هل أصبح جزءًا من البشريّة؟ هل لديه الحقّ في التعبير بحريّة ؟ وهل هو جزء من الجماعة البشريّة التي تريد العيش معًا والعيش بديموقراطيّة ؟
الإنسان الآليّ الذكيّ اصطناعيًّا سوف يحلّ مكان المئات من الوظائف التي يقوم بـها الإنسان البشريّ : فكيف يقبل المجتمع بهذا الإلغاء؟ فهل الإنسان الآليّ يمتلك كلّ القدرات ليحلّ مكان الإنسان الحقيقيّ؟ وهل ستكون له العاطفة نفسها كما لدى البشريّ؟ وهل سيكون في حاجة إلى عاطفة كما الإنسان البشريّ؟ الجواب حتّى اليوم هو لا. أليس الإنسان ذو الكرامة الحقّ هو مَنْ له أن يتمتّع بكلّ احترام واعتراف ومودّة؟
واضح أنّ الذكاء الاصطناعيّ يستطيع الدخول في مختلف خصوصيّات الإنسان وفي فرديّته، فكيف نقبل أن تقتحم الآلة مجال فرديّتنا فننحني أمامـها وكأنّ شيئًا لم يكن؟
إنّه إبداع وإنّها مسيرة لخير البشر... إلّا أنّ هناك الكثير من الأسئلة المطروحة على الذكاء البشريّ كلّه، إذ وحده يبقى المرجع الصالح لتحديد الخير والشرّ، وما هو صالح للحياة البشريّة!
الأب سليم دكّاش اليسوعيّ، رئيس تحرير مجلّة المشرق.
تعليقات 0 تعليق