هل مشكلتنا هي التعلُّق بالماضي؟
ثمّة أسباب عديدة وعميقة تجعلنا نتعلّق بالماضي كما هو وكما يترك فينا من مؤثّرات:
عدم الرغبة في التغيير، اختبار الأقدمين هو الأفضل، أثر المعتقدات والعادات والتقاليد، أبوحيٍ من السماء كان أم بتوجيه من المجتمع، هو على درجة سامية من القداسة، ومَن يجرؤ على مسّ المقدّسات. والماضي يكرّس نظامًا اجتماعيًّا هرميًّا أو أفقيًّا، فلا مجال لنقده أو السؤال عنه، وإلّا تزعزع الهيكل برمّته.
في العادة، الماضي يمضي مع أيّامه، أمّا عندنا فالماضي يبقى ويزداد في الحاضر قناعة ورسوخًا في الذهن والتصوّرات والبراهين. حتى لو أنّه مصدر نزاعات وعنف ومآسٍ، فلا مجال أن ننقض الماضي، وإلّا سقط الهيكل برمّته على ساكنيه.
والواقع أنّه يجب أن نغيّر نظرتنا إلى هذا الماضي، فليس هو بالمعبود الصنم، بل هو معطى تاريخيّ، نتعامل معه بما يفيد إنسانيّتنا حاضرًا ومستقبلًا.
تعالوا إذًا نتعلّم من الماضي. إنّ ما فات قد مات، فإن فكّرتُ في الأحداث السابقة والمعطيات الآتية من التاريخ، فذلك يعني أنّي أرغب في التعلّم منه، ومن الأخطاء كما من النجاحات، في ضوء ما أعيشه اليوم وغدًا من تحدّيات الحاضر، في اللحظة الآنيّة.
عددٌ من الفلاسفة يقولون إنّ الأساسيّ يكمن في اللحظة الحاضرة المنفتحة على المستقبل، وفي أن نعطيها حقّها ومعناها. يساعد الماضي بما يكتنزه من تجارب على إغناء التجربة الإنسانيّة في اللحظة الحاضرة، وإلّا فاتنا القطار عابرًا ما نعيشه اليوم كأنّه دقّات الساعة التي لا نسمع رنينها، في حين أنّ الوجود إنّما يمتلئ ويتعزّز بما نعيشه بقوّة في اللحظة الحاضرة، نبني منها مستقبلنا على الصعيد الفرديّ والجماعيّ.
الأب سليم دكّاش اليسوعيّ، رئيس تحرير مجلّة المشرق.
تعليقات 0 تعليق