عبد الحليم محمود (1910-1978)، شيخ الأزهر في الفترة بين عامَي 1973 و1978

لوريم ايبسوم هو نموذج افتراضي يوضع في التصاميم لتعرض على العميل ليتصور طريقه وضع النصوص ؟

author_article_image

خالد محمّد عبده

أعلام الحركة الصوفيّة في العصر الحديث: الشيخ عبد الحليم محمود نموذجًا

لا يمكنك أن توجّه سؤالًا إلى أبكم وتنتظر الإجابة عنه، كما لا يمكنك أن تتّهم شخصًا بتهمة والشخص غائب أو مغيّبٌ لا يقدر على الدفاع عن نفسه، هذا سلوك غير المنصفين. فمَنْ أراد أن يوجّه تهمة إلى أحدٍ ويصرخ في وجهه عليه أن يمنحه حقّ الدفاع عن نفسه وعرض وجهة نظره.

كثيرون اليوم يتّهمون صنفًا من أصناف المسلمين بالانغلاقية والإقصائية وتلويث سمعة الإسلام، وهي تهمة أضحت وسيلة من وسائل التكسّب والارتزاق، تسفل بالإنسان من دون أن يدري، وتوقعه في ما ينكره بلسانه وأسوأ من ذلك بكثير. ومن هذه التهم التي تلوكها الألسنة تهمة التطرّف وممارسة العنف، تُلصق هذه التهمة بتعميم يأباه المنطق بكلّ مَنْ التزم بطقوسه الدينيّة أو عبّر بكلمات ذات مسحة دينية عن أغراضه الاجتماعيّة. 

صحيحٌ أنّ جزءًا من هذا السمت يعبّر عن رؤية معيّنة يمكننا التعرّف عليها من خلال تعاملاتنا اليوميّة، إلّا أنّه لا يمكن القول إنّ كلّ من بدا بهذا الشكل يُتوقّع منه أن يكون متطرّفًا. فكم من منظر تبدو عليه سمة العصريّة والانفتاح في الكلام والصورة، ويحمل قلبًا لا يؤمن إلاّ بالبغض والإقصاء، ولا تعرف أخلاق الرحمة والتسامح إلى إنسانه سبيلًا.

هل هناك صوفيُّون حقًّا؟

كثير من الناس ينتسبون اليوم إلى رحاب التصوّف، إن بالشكل أو بالانتساب إلى طريقة بعينها، أو بمحبّة هذا المسلك الروحانيّ، فهل تتّسق أفعالهم وتعاليم المتصوّفين الذائعة على ألسنة المحبيّن ومقدّمي الطرق؟ وهل تجسّد تجربتهم وحياتهم تعاليم الصوفيّة؟ أم إنّ التراث الصوفيّ شيء وحياة المتصوّفة اليوم شيء آخر؟ واقع الحال أنّه لا يمكن القطع في شأن المتصوفّة المعاصرين أو قياس حياتهم على حياة السابقين؛ ذلك أنّ العصور تختلف والأحوال تتبدّل تطوّرًا إلى الأمام أو تدهورًا... ومن هنا لا يمكننا الحديث عن المتصوّفة المعاصرين بشكل جماعيّ، وحسبنا أن نشير إلى نماذج قليلة تعرّف الناس عليها عن قرب، وروا عنها المناقب والخصال الحميدة.

أحد الصوفيّة المشاهير في التاريخ المصريّ المعاصر كان شيخًا للأزهر، تلقّى تعليمه الأساسيّ في أروقته العلميَّة، وأكمل دراساته في فرنسا، وظلّ طيلة حياته يرتدي العمامة والجبّة الأزهرية، وفي كتاباته كان محافظًا على صورة واحدة وأسلوب واحد لم يتبدّل منذ البداية حتّى كتابته سيرة حياته، هو الشيخ عبد الحليم محمود. يتناقل الناس بعض حكاياته حتّى يومنا هذا، فقد كان في معاملاته اليوميّة نموذجًا للصوفيّ القديم، يتخلّق بأخلاق التصوّف كرمًا وبذلًا وعطاءً، حتى إنّه أنفق أغلب ماله في سبيل الله، وكان ينام على الحصير. ولم تكن أفكاره بعيدة عن أفكار الصوفيّة السابقين، فإذا هاجم الغزالي (ت1111م) الفلاسفة وألجم العوامّ عن علم الكلام، فعل مثل ذلك العارف بالله عبد الحليم محمود. فهو وإن اهتم بالأديان والفلسفة وترجم قسطًا من الكتابات الفرنسّية عنها، إلاّ أنّه يرى رأي الصوفيّة في كون الفلسفة وعلم الكلام لا تشفي عليلًا ولا تروي غليلًا.. ومن يطالع كتابه التفكير الفلسفيّ في الإسلاميدرك ذلك بسهولة.

فريقٌ ثالثٌ اختار عبد الحليم محمود الانتساب إليه، فلم ينجذب إلى عالم النصيِّين، ولا إلى عالم العقليِّين، واختار أن ينتمي إلى علم البصيريِّين، الذين يعبّرون عن ذوقهم وأخلاقهم في كلّ ما تخطّه أقلامهم، ورغم أن والده كان صوفيّ الهوى والفعل، إلاّ أنَّ صلته تحسّنت بالتصوّف في بلاد غير عربيّة. ففي فرنسا بلد السحر والجمال صح العزم منه على أن يدرس علم الجمال مرّة، ومناهج البحث مرّة، إلاّ أن القدر كان له كلمته، فاتّصل بالدرس الصوفيّ من خلال المستشرق الفرنسيّ لويس ماسِّينيون الذي حضّه على كتابة أطروحة الدكتوراه عن الحارث المحاسبي، فشحذ همّته وجمع كتابات المحاسبي التي كانت آنذاك مخطوطةً ولم تُطبع بعد، وحصل على الدرجة العلميّة  بتقدير مشرّف، وتواصل مع مسلمي أوروبّا، مما حفّزه على الكتابة في ما بعد، على أن يدوّن ملاحظاته عن تلك الفترة في كتاب أوروبا والإسلام... واستمرّ يؤدّي رسالته التي وجد نفسه فيها امتدادًا للصوفيّة الأوائل بتعريف القرّاء العرب بالتصوّف الإسلاميّ، فكتب عن أعلام التصوّف، وآل بيت النبوّة، ونشر وحقّق جملةً من النصوص الصوفيّة.. من بينها: الرعاية لحقوق الله للحارث المحاسبي، الرسالة للإمام القشيري، اللُمع للطوسي، كتاب الصدق للخراز.ومن أعلام التصوّف الإسلاميّ الذين خصّهم بتأليف مستقلّ: البسطامي، وذو النون المصريّ، والشبلي، وسهل التستري، وإبراهيم بن أدهم.

أنماطُ التديّن الإسلامي

نزعات في بني الإنسان وصفها الشيخ عبد الحليم محمود بالفطريَّة في سيرته الفكريَّة التي عَنونها بـ(الحمد لله هذه حياتي)، ينزعون إليها في تديّنهم ورؤيتهم لله. فبعض الناس واقعيٌّ يتّجه إلى النصّ، ولا يريد، أو لا يمكنه أن يسير إلى أبعد منه.. نتعلّم من هذا البعض عدم إهمال ظاهر النصّ أو التعالي عليه وعلى من يتديّنون ويتقرّبون إلى الله بهذه الصورة من صور التديّن. وبعض الناس يحتفظ بشخصيّته، قويّة جارفة لا تلين، فهو عقليٌّ أو إذا أخذنا بالتصنيف القديم فهو اعتزاليٌّ. وبعضهم رقيق الشعور، مرهف الحسّ، ملائكيّ النزعة فهو بصيريٌّ أو صوفيّ. نزعات ثلاث تقوم على فطرٍ مختلفة، وهذه الفطر مستمرّة في بني البشر، ومن هنا كان خطأ الذين يحاربون التصوّف أو الاعتزال أو النصّيِّين على أمل أن يقضوا على اتّجاه من هذه الاتّجاهات. إذ الصواب الاستفادة من هذه الأنماط مجتمعة وإجراء حوار حقيقي في ما بينها.

ملاذ الصوفيّ المعاصر

درس الشيخ عبد الحليم محمود -كما ذكرنا آنفًا- في فرنسا، ولاحظ وقت طلبه أنّ جميعَ الأساتذة الذين يتكلّمون عن الإلهيّات والنبوّات في دروس علم الأديان منبتو الصلة بالتديّن، فأغلب آرائهم ماديّة، ووصفها الشيخ بـ(الإلحاديّة)، لكنّه تعلّم من هذا كلّه درس الاتّباع، ووجد في رحاب التراث الصوفيّ ملاذًا آمنًا وهادئًا يعصمه من كل هذا القلق الذي اعتراه من كثرة تعرّفه على المذاهب (الماديّة). يقول في سيرته: انغمستُ في جوّ مجموعة من المخطوطات لهذا العالم الكبير، والصوفيّ المستنير، ورأيت أنه قد مرّت به هو الآخر فترة من الضيق لاختلاف الآراء وتفرّقها، والحيرة في أيّها الأحقّ وأيّها الأصوب؟ ثمّ هداه الله سبحانه إلى الطريق الأقوم! ووجدتُ في جوّ الحارث المحاسبي الهدوء والطمأنينة (هدوء اليقين وطمأنينة الثقة بما يعلم)! فقد ألقى بنفسه في معترك المشاكل التي يثيرها المبتدعون والمنحرفون، وأخذ يصارع مناقشًا ومجادلًا وهاويًا ومرشدًا، متّخذًا الأساس الأصيل، والمصدر الأول: القرآنوالسنّة، متّخذًا ذلك مقياسًا وحاكمًا، متحكّمًا في كل ما يُقال، أو يفعل. وانتهيت من دراسة الدكتوراه وأنا أشعر شعورًا واضحًا بمنهج المسلم في الحياة، وهو منهج الاتّباع!... (اتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم).

رؤية الصوفيّ مشكلات عصره

كان لتكوين الشيخ عبد الحليم محمود الأزهريّ أثر كبير في حياته وآرائه. إنّه لا يختلف مثلًا في آرائه عن معاصره الشيخ محمّد الغزالي، فالتعليم الدينيّ عنده ضرورة، ورأيه في تطبيق الشريعة الإسلامية كرأي عديدٍ من التيّارات الإسلاميّة اليوم، كما أنّ موقفه من الزواج المبكّر موقف يعبّر عن العادة والعرف وما تربّى عليه، فقد تزوّج دون الخامسة عشرة من عمره، وهذا الزواج عنده عصمة مبكّرة، حبّذا لو توافر لشبيبة المسلمين، كما أنّ موقفه من سفر الفتيات للتعليم خارج البلاد الإسلامية لا يختلف عن الرؤية التقليديّة التي ترى خطرًا في هذا السلوك، وحبّذا لو منع الأهل الفتيات من السفر، ففي جامعاتنا العربيّة ما يغنيهم عن الاختلاط بجوّ بعيد عن الروح الإسلاميّة، ممّا يسبّب انحرافهن وبعدهن عن الصراط القويم. وإن تحدّث الشيخ عن سلوك كثير من الرجال المسلمين في البلاد الأوروبية، وتخلّيهم عن تحكيم الحلال والحرام والجائز والمكروه في حياتهم، إلّا أنّه لم ير مانعًا من سفرهم للتعلّم. كما أنّه رفض أن تتحكّم القوانين الحديثة في أسلوب حياة الأسرة المسلمة، فتحديد النسل فكرة مُنكرة، بمختلف صورها، وهي ثقافة مستوردة لا يحسن الأخذ بها.

 

* خالد محمَّد عبده: مدير مركز طواسين للتصوّف والإسلاميّات.

تحميل بصيغة PDF

تعليقات 0 تعليق

الأكثر قراءة

الذات والعهد ولبنان

دولة لبنان الكبير 1920 – 2021

الوجه المفقود للمسيحيّين في سورية

الأطفال وصعوبات التعلُّم.

شفاء القلب.

الطاقة الخلّاقة للمعاناة

إختر الحياة

لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟

من الصدق إلى الحقيقة

حبّ مُتفانٍ لأرض مُهملة

فنُّ العيش بتناغم

لماذا أخشى أن أحبّ؟

سائحة

ثق فتتجدّد

السعادة تنبع من الداخل

رحلة في فصول الحياة

القرار - إتّباع المسيح في حياتنا اليوميّة

أسرار الناصِرة

العائلة بين الأصالة والحرّيّة

نحو حياة أفضل (5)

الأيادي الضارعة

موعد مع يسوع المسيح

شبيبة متمرّدة

من يهديني؟

لا أؤمن بهذا الإله

اليقظة

حبّ بلا شروط

في بداية الحياة فرح ورجاء

الشعور بالرضا

في سبيل لاهوت مسيحيّ للأديان

دليلُكَ لفهم الأيقونات.

على درب الجلجلة

المنجد

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

الكتاب المقدس - ترجمة جديدة (حجم وسط)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)