إظهار وجه الله الرّحوم في سفر أيّوب شرح لاهوتيّ وتفسيريّ لهذا السّفر وبعض الارتباطات بالعهد الجديد
الـمقدّمة
"لربّما بعد مُضيِّ ألفي عام تقريبًا على صعود المسيح إلى السّماء تكثر التّساؤلات لدى الإنسان عن كثير من الأمور الّتي يعيشها يوميًّا، وبوجهٍ خاصّ عن الصّعوبات، ويبحث عن الرّحمة الإلهيّة ويتساءَل: هل ستأتي من السّماء أم لا؟ من هنا قد يقع الإنسان في الفخّ التّالي: آمِنْ بما يقوله لك قلبك فالسّماء لا تحمل لك المواعيد"[1].
وبالفعل فالكثير من العبارات المشابهة تتكرّر على شفاهنا وتسبّب لنا شكوكًا عدّة، وبالأخصّ في أوقات: الحروب، الأمراض، الانقسامات العائليّة، حوادث مؤلمة تؤدّي إلى موت أعزّاء على قلوبنا، خسارات ماديّة كبيرة؛ وغير هذا الكثير. فينتج من هذه الأحداث أسئلة تخصّ الله بالذّات: هل من مَصلَحةِ الله أن تكثر الحروب والأوبئة والـمَجاعات وغيرها من الـمَصائب الّتي قد تقضُّ مَضجعَ الإنسان؟ هل رحمةُ الله حقيقةٌ موجودة؟ هل تخلّى الله عنّا ناسيًا عهد محبّته لنا إذ سيبقى معنا "طَوَالَ الأَيَّامِ إِلى نِهَايَةِ العَالَم" (متّى 27/20)؟ لا شكّ في أنّ هذا العصر يشهد طفرةً من الحوادث التي تُسبِّبُ الألم للإنسان على الأصعدة كافّة: الروحيّة، الجسديّة، النفسيّة، وإلخ...
في ما يلي مقال نحاول فيه إظهار وجه الله الرّحوم للإنسان الـمُعذّب المليء المصاب بالبلايا، وذلك من خلال بحثٍ لاهوتيٍّ وتفسيريٍّ في سفر من أسفار العهد القديم ألا وهو: سفر أيّوب، باحثين عن أجوبة للأسئلة التالية: ما هي ردّة فعل الإنسان على الضيق والتعب؟ أهي الرجاء والثبات على الإيمان بالله أم نكرانه؟ هل الحلّ الأفضل هو بالابتعاد عن الله، ومحاولة الخروج من الـمَتاعب بطُرقٍ شخصيّة قد تكون مُجدية أكثر من طلب الرّحمة الإلهيّة أم التقرّب أكثر من الله في أوان الشدّة؟ وغيرها العديد من التّساؤلات نبيّنها تِباعًا ضمن هذا العمل بوجهٍ مُفصّل وعلى النّحو التّالي:
سنرى أنّ أيّوب، بالرغم من برارته أمام الله، الواضحة منذ أوّل السّفر (1/1-5)، يقع في أخطاء عديدة تُجاه الله وذلك بعد الآلام الّتي لَقيها من أعدائه، ومن أبرز الأخطاء: ملامته لله على القصاص القاسي بالرغم من برارته (أيّوب)/عدم اعتبار نفسه خاطئًا، ونكران ضَعفه البشريّ/رفض اللجوء إلى الله بالرغم من كلّ الألم الّذي تعرّض له/وغيرها من أخطاء نبيّنها لاحقًا.
إضافةً إلى هذا سنرى أنّ موقف الله كان مغايرًا كليًّا تُجاه أيّوب، فلم يكن ردّه إلّا الرّحمة.
وأيضًا سنقوم بالمقارنة بين أيّوب، الـمَملوء بالبلايا، ويسوع الـمُتألّم في بستان الزّيتون، والتّباين الواضح بين الاثنين في فهم رحمة الله وطلبها وقت الشّدّة.
معلومات توضيحيّة حول سفر أيّوب
يَطرح الشيطان، في مطلع هذا السّفر، سؤالًا على الله "أَمَجَّانًا يَتَّقي أَيّوب الله؟" (1/9)، فيشكّل هذا السؤال المحور الأساسيّ للاهوت سفر أيّوب[2].
لكن ما يأتي بعد سؤال الشيطان يحيّرنا قليلًا: لماذا أوصى الله بعدم مساس أيّوب بأيّ أذًى؟ أكان موافقًا إذًا على أذيّة بنيه وممتلكاته؟ ألا يدفعنا هذا للقول: إنّ كلّ البلايا الّتي ألـمَّت بأيّوب هي صورةٌ رمزيّة، وليست تاريخيّة، عن الإنسان الّذي يُحارب ما بين الخير والشّرّ في حياته اليوميّة، وذلك باعتبار أنّ الله لا يؤذي الإنسان أبدًا؟
إنَّ هذا السّفر يُظهر أمامنا إيمان الإنسان البارّ بالله في وقت ألمه وضيقه، ومحاربة الله للشيطان كي يجذب الإنسان إليه، في الوقت الّذي كان الشيطان يريد العكس.
أيّوب يُبَرّئ نفسه
يعتبر أيّوب، بحسب 6/4، أنّ البلايا الّتي أصابته مصدرها الله، وفي مكان آخر يُظهِر نفسه بريئًا من كلِّ شيء، صحيح أنّه لا يستحقّ ما جرى له، ولكنّ كلامه في 6/29ب - 30 يبيّن أنّه يبرّئ نفسه من كلِّ ضَعفٍ بشريٍّ، وهذا ما سيوبَّخ عليه لاحقًا من الشّخصيّة الرّابعة في السّفر: أليهو، ومن الله أيضًا. وإنّ تساؤل أيّوب عن طريقة عيشه القديمة وذلك بحسب: 31/1-15، يحاول فيه أن يقول لله إنّه: ليس بخاطئٍ أبدًا. وفي تعليق أليهو بحسب 34/5-6، يبيّن لنا قول أيّوب بأنّ: الله يُعاقبني وأنا لا أستحقُّ ذلك، وخصوصًا أنّي بلا معصية.
ما يُقصد هنا بالطّبع ليس فعل خطأ عمليّ بحدِّ ذاته، بل هو عدم اعتراف الإنسان بأنّه مُعرّض للخطأ، كأنّه يعتبر نفسه أبرّ من الله في بعض الأحيان، ومن هنا يعتقد الإنسان أنّه ليس بحاجة إلى الله في حياته فيكتفي بذاته.
سوف نلحظ من الفصل 32 فصاعدًا نوعًا من تأديبٍ لأيّوب وأصدقائه على كلِّ ما تفوّهوا به ضدّ الله. فغضَبُ أليهو يأتي بالأساس لسببين:
- إعتبار أيّوب نفسه أبرَّ من الله.
- الأصدقاء الثلاثة لم يجيبوا أيّوب جيّدًا، بالرغم من حكمتهم وخبرتهم في الحياة، لا بل جعلوه إنسانًا آثمًا أمام الله، أي نسبوا كلّ بلاياه إلى خطايا كان قد ارتكبها ضدَّ الله سابقًا، وكأنّ الله يُقابل شرَّ الإنسان بشرٍّ آخر.
أيّوب يلوم الله ولا يرجوه
بحسب 7/17-21أ نرى أنّ أيّوب يلوم الله بشدّة على كلّ ما جرى له.
السّؤال هنا: ألا يرجو الـمُتألّم شيئًا من الله؟ هل يكتفي بالملامة؟ فاتّهام أيّوب لله مُستمرّ، صحيح أنّه يَطلب رحمته في 9/15ب، ولكنّه يظنُّ من بعدها أنّ الله لن يستجيب له. فأيّوب كوّن صورةً عن الله هي: "الله يكرهني". والدّليل على ذلك في 29/2 إذ يقول: "مَنْ لِي بِمِثْلِ الشُّهُورِ السَّالِفَةِ، وَمِثْلِ الأَيَّامِ الَّتي كَانَ الله فِيهَا حَافِظِي"، ويتابع بعدها كيف كان يعيش بالعزِّ والرّخاء في مجتمعه؛ وكأنّ علامة حضور الله مع الإنسان هي في حالِ سعادته الأرضيّة ووفرة ممتلكاته، أمّا زوالها فعلامة لتخلّي الله عن الإنسان؛ من هنا اعتَقَدَ أيّوب أنّ الله تخلّى عنه وهذا واضحٌ في 30/11 فجعل البلايا علامةً لغياب الله.
زيادةً على ذلك يرى أيّوب أنّ الشريعة التّقليديّة الّتي تقول:" ثوابٌ للأخيار، وعقاب للأشرار" لمتعد موجودةً، فيلحَظ العكس حوله تمامًا من خلال البلايا الّتي حلّت به (21/7-13)[3]. فأيّوب يرى رحمة الله في بيوت الأشرار، ولا يراها في بيته. فيُظْهِر أيّوب الله على أنّه غير عادلٍ في معاملته للبشر.
أيّوب يجعل ممتلكاته الضّامن الوحيد له
نقرأ في الفصل الأوّل "وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَعْظَمَ أَبْنَاءِ الشَّرقِ جَميعًا" (1/3ب)، ويأتي هذا التّصريح في نهاية وصف دقيق لممتلكات أيّوب الكثيرة، فهذا الغنى يبيّن أنّ أيّوب قد اغتنى بما عنده واكتفى بممتلكاته[4].
وهذا يذكّرنا بمثل الغنيّ الجاهل الـمَذكور في إنجيل القدّيس لوقا، إذ إنّه اعتدَّ بما له واعتبره ضمانه الوحيد لحياته ووجوده، من هنا نلقي نظرةً سريعة على هذا النّصّ في: لوقا 12/13-21، ونقارن فيها بين الغنيّ وأيّوب بما يخصّ اتّكالهما على ما يملكان.
مفتاح هذا النّصّ هو في الآية 15: "تَبَصَّرُوا وَاحْذَرُوا كُلَّ طَمَعٍ، لِأَنَّ حَيَاةَ الـمَرْءِ، وإِن اغْتَنَى، لَا تَأْتِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِ..."، التّركيز هنا هو على حياة الإنسان ومصدرها. فيسوع يطرح إشكاليّةً مهمّة: مَن، أو ما هو مصدر حياة الإنسان؟
يأتي المثل شرحًا لكلام يسوع في الآية 15، فكأنّ بهذا الغنيّ يعتدّ بأمواله الوافرة، فيظنّ أنّها الضّامن الوحيد لحياة الإنسان. وبما أنّه هو الّذي جنى هذه الأرزاق كلّها، جعل ذاته الضّامن الوحيد لحياته، غافلًا عن مصدر الحياة وأساسها الّذي هو الله.
وهذا ما جرى مع أيّوب، فإنَّ نوعًا من التّباهي أصابه نتيجة الخيرات الّتي اقتناها، وهذا قد يُعتبر نوعًا من التّكبّر أمام الله، فكأنّه نسي: أنّ كلّ ما كان يمتلكه ويقدّمه قرابين أو مساعدات هو من نعمة الله عليه وعلى أهلِ بيته. هذا ما قد يُصيب الإنسان من تباهٍ، إذ يعتبر نفسه مصدرًا لكلِّ شيء، غافلًا عن أنّ عمل الخير نفسه لا يقوم به الإنسان نحو الآخرين إلّا بقوّة الله.
من هنا يُدهشنا أمرٌ في الفصل الثّالث وهو: غياب تقوى أيّوب وتعلّقه بالله الّذي كان واضحًا في بداية السّفرِ. وما نلاحظه أيضًا في 3/25 أنّ أيّوب كان يخشى ويفزع من مجيء هذه اللحظة الـمُؤلِمة، وكأنّ حياته كلّها كانت مُتعلّقة بممتلكاته وليس بالله. وبالتّالي فقد رجاءه بأنّ الله معه ولا بدَّ من أن يرحمه بطريقةٍ ما هو لا يعلمها، بمعنًى آخر: أيّوب يَعتقد أنَّ كلَّ شيء قد انتهى، لذلك تمنّى لو لم يولَد.
ونُلاحِظ أيضًا صديق أيّوب: أليفازُ التّيمانيُّ، يحفّزه للرّجوع إلى الله والتّوبة بدلًا من الممتلكات (22/21+) فيكون الله نصيبه بدلًا من ضماناته الأرضيّة.
أيّوب لا يطلب رحمة الله، وكأنّه هو مَن بلاه
أحد أصدقاء أيّوب: صُوفَرُ النّعماتيُّ، يتّهم أيّوب بأنّه لا زال يبرّئ نفسه أمام الله. فيعود هذا أيضًا ويطلب منه بحسب 11/13+ أن يرفع يديه إلى الله ويطلب عونه. ولكن ما نلاحظه من أيّوب هو أمران:
- التذمّر على الله.
- تبرئة نفسه أمام الله.
فلم يَطلب إلى الآن العون منه أو الرّحمة، وذلك لافتراضه أنّه سبب كلّ البلايا تُجاهه.
إنّ عدم طلب أيّوب رحمة الله يذّكرنا بمثل الغنيّ ولعازر الّذي ضربه يسوع لسامعيه (لوقا 16/19-31).
في هذا المثل ترد كلمة: الرحمة، في الآية 24 على لسان الغنيّ إذ يقول: "يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيمَ ارحَمنِي فَأَرْسِلْ لَعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ فِي الـمَاءِ وَيُبَرّدَ لِسَانِي، فَإِنّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اللَّهيبِ".
من هنا نفهم أنّ رحمة الله للغنيّ أُعطيت له على الأرض يوميًّا من خلال لعازر الفقير الـمُلقى عند بابه، ولكنّه هو من رفض هذه الرّحمة وقرّر أن يُهملها وينظر إلى ذاته ويرغب بأن يعطيها أكبر قدرٍ من التنعّم متناسيًا أمر هذا المسكين المملوء بالبلايا[5]. فهل الله هو الّذي عاقَب حقًّا هذا الغنيّ؟ كلّا، فمن لا يَرحَمُ الآخر، كأنَّ به يَمنَعُ الرّحمة لذاته أيضًا، لأنّ الله يريد أن يخلّص الجميع ولكن بإرادتهم الشخصيّة.
بعد هذا نلاحظ جوابين من يسوع لأيّوب المملوء بالبلايا:
- مثل الغنيّ: لا تعتمد على ذاتك وتعتبرها مصدر كلّ شيء، فبذلك لا تترك مكانًا لله في حياتك.
- مثل الغنيّ ولعازر: لا ترفض أبدًا الرحمة التي يعطيك الله إيّاها في حياتك الأرضيّة.
عقل الإنسان لا يُدرِك حكمة الله
إنَّ العقل البشريّ لا يمكنه أن يدرك حكمة الله، فسِفر أيّوب يُظهِر لنا تجاوز الفعل الإلهيّ للعقل الإنسانيّ، وخصوصًا عندما لا يجاري تعليم الله طريقة التّكفير البشريّة؛ بالتّالي تكون ردّة فعل الإنسان هي الشّكّ بمصداقيّة هذا التّعليم. فأصدقاء أيّوب الثّلاثة وقعوا في هذا الفخّ، لأنّهم استسلموا للشّكّ في صلاح الله، أو بالتّشديد على شرائع قديمة تحصر الله في حدود منظومة فكريّة ضعيفة، تلك هي الحدود الّتي يشير إليها خطاب الله للإنسان ويدعوها نحو التّوسّع والانفتاح[6].
والله لا يريد أن يوجّه إلى أيّوب أيَّة تهمةٍ تؤثّمه، بل مهما بلغت معرفة أيّوب من أهميّة عليه أن يعترف بجهله أمام الله. من هنا نقول بأنّ الحكمة الحقيقيّة تبدأ عندما يقبل الإنسان بمحدوديّته ويعترف بأنّه لا يعرف كلّ شيء[7].
وإذا قرأنا الفصل 33 من هذا السّفر، نلاحظ أنّ أليهو يلوم أيّوب على مُخاصمةِ الله إذ يعتبر أنّه لا يجيبه عن تساؤلاته، ولكنّ الله يجيب بطرقٍ يراها مناسبة وأوقات ملائمة 33/13-14.
الله يحفّز الإنسان على التّوبة
أليهو يدفع أيّوب لطلب الرّحمة من الله، فلا بدَّ من الحصول عليها، ذلك واضحٌ في 36/5-11: "(الله) قَدِيرٌ لَا يَزْدَرِي أَحَدًا... لَا يَصْرِفُ عَيْنَيْهِ عَنْ البَارّ وَإِنْ كَانَ مَعَ الـمُلُوكِ عَلَى العَرْشِ..."، بالإضافة إلى أنَّ الله يتّبع خطوات مع مرتكبي الإثم كي يعودوا إليه فيشفيهم ويرحمهم فها به "يُخْبِرُهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ فِي تَجَبُّرِهِم، ويَفْتَحُ آَذَانَهُم لِلتَأدِيبِ وَيَأمُرُهُمْ بِالإِقْلَاعِ عَنِ الإِثْمِ..."، فالله لا يترك من يُخطئون، وخصوصًا إذا كان قلبهم متعلّقًا به، فقد يكون ضعفهم البشريّ قد دفعهم إلى ارتكاب هذا الخطأ أو ذاك وليس الإصرار على فعله.
بعد هذا يصل المؤمن إلى النتيجة المرجوّة من الله: "قَضَوا أَيَّامَهُم فِي الهَنَاءِ وَسِنِيهِمْ فِي التَنَعُّمِ..." 36/11.
لا يريد الله أذيّة أيّوب، بل يريد أن يرحمه ويُعِيدَهُ إليه دائمًا ومُجدّدًا. ولا يريد منه أن يكون من "كُفَّار القُلُوبِ (الّذين) يَدَّخِرُونَ غَضَبَهُم وَلَا يَسْتَغِيثُونَ حِينَ يُقَيّدُهُم..." 36/12. وهذا بالذّات ما جرى مع أيّوب آنَ الشِّدة، فلم يطلب رحمة الله أو نجدته، بل أخذ يتساءل عن سبب هذه الـمَصائب، مُعتبرًا ذاته غير مُستحقّ لها، والله ظلمه إذ عامله بهذه الـمُعاملةِ المؤذية. من هنا نفهم غضب الله عليه وملامته له.
التّاريخ يشهد على رحمةِ الله للبشر
تاريخ الله مع البشريّة مليء بالرّحمة تجاههم، من هنا نلحظ في 4/7 أنّ صديق أيّوب: أليفاز، يُظهر أهميّةَ الذّاكرة في تاريخ شعب الله: "أُذْكُرْهَلْ هَلَكَ أَحَدٌ وَهوَ بَرِيٌء، وَأَيْنَ دُمِّرَ أَهْلُ الاِسْتِقَامَةِ؟..."، فإنّ هذا الصّديق يحاول أن يقول له: إن كنت بارًّا أمام الله فعلًا، فلا تَخَف لأنّه لن يتركك، وذلك لأنّه لم يَترك أبرارًا من قَبلكَ.
فلكي يستطيع الإنسان أن يثبت بإيمانه، عليه أن يتذكّر ما صنعه الله مِن خلاص شخصيّ له أو لغيره. فهذا ما يُعزّي الإنسان في وقت مِحَنِهِ: أتذكّر أنّ الله في حضورٍ دائمٍ معي.
وفي كلام صديق أيّوب الثّاني: بلدَدُ الشّوحيُّ، يوجد نوع من تعزية لأيّوب وذلك في 8/5- 7: فهو يحفّزه على طلب رحمةِ القدير، وعلى الطّهارةِ أمامه، وبذلك تُصبِحُ حالته مزدهرة. ويطلب منه في 8/8+ العودة بالذّاكرة إلى الآباء وخبرتهم مع الله إذ كانت مزدهرة في وقت طلبهم له. فالله لا بدَّ من أن يجيب طالبيه وسائليه بالرّحمة الـمَرجوّةِ منه.
وتأكيدًا لرحمةِ الله لأيّوب نلحَظ في بداية السّفر أنّ هذه الرّحمة تجلّت للإنسان بمنع الله الشيطان أن يمسّ أيّوب بأيِّ أذًى؛ فقال الله: "إِلَيْهِ لَا تَمْدُدْ يَدَكَ..."، وهذا كان في المرّة الأولى، ولكن في المرّة الثّانية، وعندما أراد الشيطان أن يؤذي أيّوب شخصيًّا بـــــ: "عَظْمِهِ وَلَحْمِهِ..." 2/5أ، نبّهه الله بعدم مساس نَفْسِهِ.
وفي 5/17-18: نلاحظ أنّ صديق أيّوب يشجّعه على تحمّل ما لاقاه من قِبَلِ الله، لأنّ الله يَضرِبُ ولابدَّ من أن يشفي.
ولكن السّؤال هنا: هل حقًّا الله هو الّذي يَضرب الإنسان ويؤذيه، أم الله يَجعل أذيّةَ الإنسان خلاصًا له؟ هذا واضحٌ جدًّا في 2/7ب بضرب الشّيطان لأيّوب بقروحٍ خبيثةٍ في جسده، ومنعُ الله له (الشيطان) بأن يَمسَّ نَفْسَ أيّوب بأيِّ أذًى. فلم يَكُن إذًا الله هو الـمُسبِّب لآلام أيّوب. ولكن بالرغم من ذلك لا بدَّ لله من أن يخلّصه من شقائه.
رحمة الله تتجلّى بمخاطبته للإنسان
إنّ الله عندما يتكلّم في الكتاب الـمُقدّسمع الإنسان، فهو يبيّن علاقةً شخصيّة بينه وبين هذا الإنسان، حتّى لو كان خاطئًا، فالله لا يترك الإنسان (أيّوب) أبدًا في ظلمة بلاياه (38/1).
ونرى ذلك واضحًا منذ سفر التّكوين؛ فبالرّغم من أنَّ قايِن قَطعَ العلاقة بالله، بخفضه رأسه أمامه بعد التَّقدمة له (تك4/5ب)[8]، لم يَقطع الله العلاقة بقايِن[9]، بل عاد وكلّمه مباشرةً محذّرًا إيّاه من الشّر الّذي رُبِضَ له ضدَّ أخيه هابيل (تك4/6-7)؛ فلم يتخلّ الله عن قايِن ولم يدعه بمفرده من دون سندٍ يعينه.
وأيضًا عاد الله لمخاطبة قايِن حتّى بعد ارتكابه الجريمة ضدَّ أخيه (تك4/9أ و10)، ولم يكتفِ الله بذلك، بل أعطاه علامةً تكون بمثابةِ عهدٍ بينهما تبعِدُ السّوء عن قايِن، وخصوصًا بعدما طلب قايِن بذاته الـمَغفرة والرّحمة من الله (تك4/13-14).
بالتّاليّ فإنَّ الله، وبمجرّد مُخاطبته لأيّوب، يبيّن أنّه لم يَحسِب له كلّ ما تكلّم به ضدّه من أقوالٍ أمام أصحابه؛ بل أراد الله أن يعود أيّوب ويدخل في علاقةٍ جديدةٍ به.
الخلق رحمةٌ للبشر
إنَّ أيّوب في كلِّ حديثه مع أصدقائه عن الله، لم يتكلّم بكلمة واحدة تدلُّ على رحمةِ الله وخلاصه للبشر آنَ الشِّدة. من هنا نلحظ في 38/2 أنَّ الله يتكلّم بشيء من الغضب عن تسويد تدبيره الإلهيّ، وخصوصًا من قِبَلِ أيوّب بحديث لا يمتُّ إلى العلم (الحكمة) بِصِلَةٍ. فتدبير الله للإنسان هو تدبيرٌ خلاصيٌّ ورحوم، فما حاجة الله إلى كلّ هذه الخليقة؟ وما حاجته إلى تنظيمها بهذه الحكمة الّتي تفوق قُدرةَ الإنسان عن إدراكها؟ أليست رحمته الوافرة للإنسان هي ما دفعته لخلقه وخلق كلّ الأنام وجعلها في تصرّف بني البشر؟
رحمة الله للإنسان ظهرت بالتجسّد
يظهر أيّوب وكأنّه لا يعرف بأنَّ الله رحومٌ وذلك في 12/14- 15 و13/16ب. وهذا صحيح نوعًا ما، فإنَّ البشريّة كلّها كانت تنتظر تجلّي رحمة الله بوجهٍ كلّيّ في تجسّد الابن الوحيد الأزليّ: يسوع المسيح.
وهناك أمرٌ مهمٌّ أيضًا في 33/23+، فالكلام يدلُّ بطريقةٍ ما على المسيح الـمُنتظر: الوسيط من بين ألف، يشفع له لدى الله فيخلّصه من الهوّة. وبالتّالي يعود الإنسان الـمُتألّم فيرنّم لهذا الملاك: "قَدْ خَطِئْتُ وَحِدْتُ عَنِ الاِسْتِقَامَةِ وَلَم يُحْزنّي بَل افتَدَى نَفْسِي مِنْ الـمُرُورِ بِالهُوَّةِ وَحَيَاتِي تُبْصِرُ النُّورَ..." 33/27+؛ ففي هذا دلالة على خلاص المسيح الّذي كان الإنسان الـمُتألّم (أيّوب) يحتاج إليه.
يسوع يقبل مشيئة الله الآب وقت الـمِحَن
إنّ موضوع الصّلاة والتّجربة اللتَين طرحهما يسوع في بستان الزّيتون أمام التّلاميذ في إنجيل لوقا 22/39-46، له بعدٌ يخصُّ موضوعنا بالتّحديد حول محنة أيّوب.
موضوع صلاة يسوع كان ما بين الإرادة الشخصيّة وإرادة الآب، وخصوصًا أنّ صلاة الأبانا في لو11 لا تأتي على ذكر: المشيئة؛ لأنّ لوقا وضعها هنا. ففي نظره لا يُقال: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ..." إلّا ساعة الـمِحَن.
والقراءة الحرفيّة لهذه الصّلاة هي أنّ كأس الموت هو إرادة الآب. ولكن نرى ذلك من قراءة أولى. بينما تعطينا القراءة اللاهوتيّة التفسيريّة الصّحيحة مشهد يسوع الّذي يريد أن يقول: إن شِئت[10]فاصرف عنّي هذه الكأس؛ أي أن تكون كيفيّة الخلاص بصرف هذه الكأس. ولكن يعود ويقول: لا أريد أن أخلِّص على طريقتي بل على طريقة الآب.
فالفكرة هنا خلاصيّة وليست للآلام. فعندما نصلّي: لتكن مشيئتك، لا نطلب أن تكون مشيئة الآب الألم، بل الخلاص. فوقت الألم هو الوقت الـمُناسب لطلب الخلاص.
فما حدث على الصّليب يدلّ على أنّ الله لا يريد الألم للإنسان لأنّه كان (الصّليب) مشيئةً بشريّةً، ولكنّ الله جعله خلاصًا للبشر. فالله لا يرغب بالألم بل يريد خلاص الكلّ. فإذا حدث ألم فالله يحوّله إلى خلاص. وهذا بالتّحديد ما فعله الله مع أيّوب (الإنسان الـمُتألّم)، إذ جعل ضيقه وألمه خلاصًا له ولغيره (أصدقائه الثلاثة).
بالمقابل هناك موضوع التّجربة الّذي طرحه يسوع أمام التّلاميذ: فأوّل تجربة هي أن تقول لله: يجب أن تجري الأمور مثلما أنا أريد، وخصوصًا أمام الصّعوبات. وثاني تجربة هي: عدم الصّلاة في وقت الألم.
أمّا يسوع أمام الألم: صلّى؛ ولكنّ التّلاميذ ناموا وكأنّهم أجّلوا الحزن أو تجاهلوا وجوده. فالملاك المعزّي هنا (لو22/43) يظهر للواعين للصلاة، ولا يظهر للغافلين عن الألم والمؤجّلين له. فأثناء الـمِحَن بالذّات يكون الإنسان بحاجة إلى تدخّل الله.
يلاحظ البابا بنيدكتُس السّادس عشر في رواية الجتسمانيّة قمّة معاناة يسوع الإنسانيّة: ففي ذلك المكان عانى تجربة العزلة الأخيرة، وكلَّ ضيق الإنسان. في هذا المكان تسرّبت إلى أعماق نفسه لجّة الخطيئة والشّرّ في كلّ جوانبها. هنا تأثّر من اقتراب موته. هنا عانقه الخائن. هنا تخلّى عنه كلّ تلاميذه. وفي هذا البستان قبل يسوع إرادة الآب كلّيًّا، وتبنّاها، فقلب بذلك التّاريخ.
ويضيف البابا متابعًا أنّ: الحصول على النّجاح لا يأتي بدون صليب، لذلك كان بطرس بحاجةٍ إلى الشّعور بضعفه، بإنكار معلّمه ثلاث مرّات. فلا أحد يملك القوّة الذّاتيّة الّتي توصله إلى آخر طريق الخلاص[11].
من هنا نستخلص الفرق بين أيّوب ويسوع في وقت الألم، فيسوع صلّى وقت الألم وتغلّب على تجربة الكبرياء والاعتداد بالنَّفس والخلاص بالـمَجهود البشريّ، وبقي على تواصلٍ مع الله بالرغم من الألم الّذي هو فيه والموت الـمُقبِل عليه، فلقي التّعزية منه كي لا يَخاف من تحقيق الخلاص الـمُزمع أن يتمَّ بالموت والقيامة.
وبالتّالي أعطى يسوع صورةً واقعيّة للإنسان الـمُتألّم الّذي يَضع كلّ رجائه في الله ورحمته الخلاصيّة. من هنا نفهم أنّ الإنسان (أيّوب) كان بحاجةٍ إلى تجسُّد ابن الله كي يُدرِكَ أنّ الله هو أبٌ له يحبّه ويرحمه، خصوصًا في وقت ضيقه.
توبة أيّوب
الفصل 40/3-5يضعنا أمام اللحظة الحاسمة في حياة أيّوب الـمُتألّم وهي: توبته. وخصوصًا بعدما عرّفه الله على حقيقة الخلق، أي بحكمته العظيمة الـمُعطاة للبشر من خلال الخليقة كلِّها. من هنا عاد أيّوب فنَدِمَ جرّاء توبيخ الله له. وخصوصًا أنّه في 42/5-6 يُبدي فِعلَ توبةٍ واضحًا أمام الله، فيندم على كلامهِ ضدَّه.
والّلافِتُ في هذا هو أنّ التّوبة أتت بعد أن انتقل أيّوب من حالة السّماع عَنِ الله إلى رؤيته (42/5)، وذلك عندما خاطبه الله مرّتين عن عجائبه في الخلق. وهذا يبيّن أنّ علاقة أيّوب بالله لم تكن إلّا علاقةً تقويّة خالية من الاختبار الشّخصيّ الحقيقيِّ له؛ ما يَكْشِفُ لنا أمرًا مهمًّا هو: أنّ اختبار الله بوجهٍ شخصيّ لا يأتي أيّام الرّاحةِ والرّخاء وحسب، بل ممكن أن نختبر رحمته بوجهٍ حقيقيّ حتّى في أيّام الـمَصاعِب، وذلك بالتّدبير الخلاصيّ الّذي هيّأه لنا ويعطينا إيّاه دائمًا. فها أيّوب يتوب أمام الله بعد أن التمس الرحمة تُجاهه وتجاه الخليقةِ كلِّها. فالله يبقى أمينًا لرحمته تُجاه البشر في أيّ زمان ومكان وحالة كان فيها الإنسان.
أيّوب يُرْحَم لأنّه يَرْحَم
في خاتمة السّفر نرى أنّ الله يُعطي الرّحمة لأيّوب بعدما قام هو نفسه بفعل رحمةٍ تُجاه الآخرين وذلك عندما "صَلَّى لِأَجْلِ أَصْدِقَائِهِ..." (42/10)؛ وخصوصًا أنّ أصدقاءَه كانوا قد أزعجوه في وقت البلايا بكلماتٍ ظنّوا أنّها تعزيةٌ لقلبه الحزين الكئيب (16/2، و19/2- 3، و21/3)، ويتّضح ذلك في وصفٍ لغضب أليهو: أنَّ هؤلاء الثّلاثة لم يجيبوا أيّوب كما يجب، بل جعلوه آثمًا تُجاه الله (32/3)، وبذلك لم يكونوا حقًا أشخاصًا جديرين بالتّعزية لأيّوب وقت الشّدّة.
فالله رحمَ أيّوب لأنّ أيّوبَ نفسه عرف الرّحمة تُجاه الآخرين، فردَّ الله له كلَّ شيء كان قد خسره: عائلته (42/11 و13-15)، وممتلكاته (42/12)، وأمدَّ سني عمره (42/16). وقام الله بهذا بالرغم من أنّ أيّوب لم يُبدِ أيَّ طلبٍ تُجاهه يُلِحُّ فيه على استرجاع ما خسره، وهذا واضحٌ في40/3- 5، و42/1- 6؛ فأيّوب لم يَقُم إلّا: بفعل توبةٍ ورحمةٍ تُجاه من أذاه، فلقي وافر الرّحمة من الله.
ولكن هل يترك الله أصدقاء أيّوب بخطيئتهم تُجاهه وتُجاه صديقِهم البارّ الـمُتألّم؟ كلّا؛ فها به يُرشدهم على طريقِ التّوبة والـمُصالحة معه (42/8)، ويعاملهم بحسب قلبه الرّحوم لا بحسب حماقاتهم؛ وبهذا لم يَقُم الله بكسب هؤلاء فقط لصالحه، إذ يَطلب منهم أن يرضوه، بل عندما يدفعهم إلى أيّوب كي يصلّي عنهم فهو يعيد العلاقة الصّحيحة بينهم وبينه ثانيةً كأصدقاء رُحِموا من الله ويَرحَمون بعضهم بعضًا.
الخاتمة
بما أنّه قد رأينا في هذا العرض كلامًا عن الشّيطان إذ دخل أمام الله وطلب تجربة أيّوب، فهذا يدفعنا للتّساؤل: كيف يسمح الله للشيطان بأن يمثل أمامه؟ إنّ هذا المجلس الّذي حضره الشيطان أمام الله وأبنائه قد يكون قلب الإنسان الّذي يقع في صراعٍ ما بين الخير والشّرّ، بين اختيار الله أو اختيار أفعال الشرّير الّتي تُبعده إلى الهاوية. فإنّ هذا السّفر يعطينا صورةً حقيقيّة لـمَعركة تدور بين قوى الخير والشّرّ لكسب الإنسان، ولكنّ الله هو من كسب في النهاية ليرحم أيّوب ويخلّصه، وأيّوب قَبِلَ ذلك وتاب إلى الله واعترف بأنّ الله أبرّ منه.
ولكنّ السّؤال يُطرح: ما هدف الله من كَسب الإنسان لصالحه، وعدم قبوله بأن ينحاز خلف قوّة شرّ هذا العالم؟
لأنَّ حبّه للإنسان لا يوصف ولا يُدرَك، فلهذا نقول: إنّ رحمةَ الله حقيقةٌ تتجسّد اليوم في عالمنا الـمُعاصر بالرغم ممّا يدورُ فيه من آفاتٍ وآلامٍ شديدة، وأمانةً منه لوعوده لنا يقول: "...هَاءَنَذَا مَعَكُمْ طَوَالَ الأَيَّامِ إِلى نِهَايَةِ العَالَمِ" (مت28/20ب)، فكلامه محطُّ الرّجاء والإيمان والرّاحة لكلِّ إنسانٍ يتخبّط بأتعابه ومصائبه.
ما أشقاه من إنسانٍ لا يرجو إلّا ذاته في وقت الضّيق والألم والصّعاب، مُتناسيًا حبّ الله الّذي تجسّد من أجلنا في ابنه يسوع المسيح بالموت والقيامة، وبوهبه الرّوح القدس كي يرافقنا حتّى نهاية العالم.
1 أنطوان أودو، الحكمة في الكتاب الـمُقدّس، "دراسات في الكتاب الـمُقدّس" (48)، دار المشرق - بيروت. 2014، ص80-81.
2 أنطوان أودو، م.س.، ص 67.
3 أنطوان أودو، م.س.، ص74.
4 م.ن.، ص67-68.
5 الدليل على أنّ الغنيّ كان قد رأى لعازر معذّبًا على بابه هو في الآية 24: "أرسل لعازر..."، فلم يكن قد رآه ورفض مساعدته وحسب، بل من الواضح أنّه كان يعرف اسمه.
6 أنطوان أودو، م.س.، ص80-81.
7 م.ن.، ص81-82.
8 فخفض الرّأس هنا من قِبَلِ قايِن يدلُّ على قَطْعِ العلاقة بالله.
9 أي لم يبادرالله الإنسان بالفعل ذاته.
10 ومشيئة الآب هي: الخلاص لجميع الناس.
11 جوزيف راتسنجر، بنيدكتُس السّادس عشر، يسوع النّاصريّ، الجزء الثّاني: من دخول أورشليم إلى القيامة، (نقله عن الألمانيّة الدكتور نبيل الخوري)، المطبعة البولسيّة - جونيه، 2014، ص161-162.
تعليقات 0 تعليق