مدينة سراييفو بريشة الفنان مرساد كولديجا، من مجموعة بلال الأرفه لي الخاصّة

لوريم ايبسوم هو نموذج افتراضي يوضع في التصاميم لتعرض على العميل ليتصور طريقه وضع النصوص ؟

author_article_image

الدكتورة هدى فخر الدين والدكتور بلال الأرفه لي - ترجمة فاطمة شحوري

هجاء المدن في الشعر العربيّ

 

منظورات كلاسيكيّة

في تحسين الوطن وتقبيحه

كان مدحُ الشاعر وطنَه أمرًا اعتياديًّا في العالم الإسلاميّ القديم، إلّا أنّ تعريف "الوطن" وعلاقة الشاعر به تطوّرا مع تغيّر طوبوغرافيا الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة المنظّمة. وقد تعقّب جمال الدين بن شيخ في فصل “The Poet in the City” من كتابه Poétique arabe هذا التطوّر في التقليد العربيّ بدءًا بما يصفه بالصلة "البيولوجيّة" بين الشاعر وقبيلته، وصولًا إلى علاقة أقلّ طبيعيّة وأقوى افتعالًا تتمثّل بعلاقته بالمجتمع الإسلاميّ الواسع، ثمّ بأسرة محدّدة أو أفراد يزعمون تجسيدهم للمجتمع بأكمله -تحديدًا في أوج الإمبراطوريّة العبّاسيّة. وكانت علاقة الشاعر الجاهليّ بقبيلته المصدر المباشر للضوابط الاجتماعيّة والدينيّة والأخلاقيّة واللغويّة التي احتكم إليها في أثناء تأديته دوره. وقد امتدّت هذه الضوابط واختُزلت في فترة الخلافة الإسلاميّة اللاحقة، فلم تصبح بالضرورة أشدّ هشاشة، بل أصبحت معتمدة على سياسات أشدّ تعقيدًا وتنسيقًا.[1]

وقد اعتمد الشاعر في مدحه وطنه، بغضّ النظر عن طبيعة هذا الوطن، ثيمات الحنين والغُربة والرثاء.[2] وإنّ المصنَّفات الأدبيّة عن "الحنين إلى الأوطان" حافلة بمثل هذه الموتيفات. ففي الواقع، نجد فيها، على سبيل المثال، فصولًا عن حبّ الوطن والتغرّب والسفر والاغتراب وذكر الأيّام السالفة وغيرها.[3] أمّا عناصر الحنين فيها فهي العائلة والقبيلة والعشيرة والرفاق والأحبّة. وعادةً ما نلاحظ تأكيدًا على الصلات التي تربط الشاعر بوطنه وصباه ولبن الأرض وطعامها وشرابها وترابها ومطرها ونداها وشجرها. وتُخيّم على المسافر أو المتجوّل مشاعر الحزن والقلق والبأس والأرق والوحدة والشوق، مُمثِّلةً أشكال نُبله وإخلاصه لوطنه وتجذّره فيه. وقد ارتبط الشوق للوطن بمشهديّة الوقوف على الأطلال في القصيدة الجاهليّة (وهو المشهد التقليديّ للبكاء على الآثار الدارسة) التي ظلّت مُعتمَدةً في الأزمنة اللاحقة. وإنّ الآثار الدارسة، أي الطلل، هي المسكن المفقود الذي يذكّر المرء بالأوقات السالفة.

إلّا أنّ بعض الشعراء اتّجه اتّجاهًا معاكسًا، فهاجم موطنه أو المدن التي أقام بها، وغالبًا ما كان الموقف السلبيّ تجاه الوطن هو الجانب الذي دفعه إلى مدح مكان معيّن. ويقترن مدح المكان السابق أو الشوق إليه بنبذ المكان الحاليّ الذي يشعر فيه الشاعر أو الأديب بالتشاؤم والتعاسة والغُربة. وفي واقع الأمر، كثيرًا ما يجتمع المدح والذمّ في الأدب العربيّ، وهذا جليّ في ما وصلنا من المصنّفات العربيّة عن المحاسن والمساوئ،[4] وهي مصنّفات تجمع بطبيعتها بين المدح والذمّ. وتقوم بعض كتب "الحنين إلى الأوطان" بالمِثل، وذلك بإدراجها، على سبيل المثال، فصول مدح الفراق إلى جانب ذمّ الفراق وفصول تحسين الغُربة إلى جانب تقبيح الغُربة. وفي هذه الفصول التي يمدح فيها الشاعر فعلَ مغادرةِ المكان، يُعاد تعريف الوطن على أنّه "المكان الذي تنزله."[5] وإنّ هذا، بطبيعة الحال، يتحدّى الفكرة القائلة بأنّ مغادرة مكان الولادة يحرم المرء من عائلته وأصدقائه، فالأصدقاء والجيران والأحبّاء والمدن - كلّهم - قابلون للاستبدال. والأراضي كلّها متساوية ومتشابهة، وإنّ السعي إلى كسب المعيشة والثروات والنجاح والترف هو الأهمّ. والسفر يجلب التجدّد - وفي هذا قال أبو تمّام (ت 231/845) "فاغترب تَتَـجدّد"[6] - في حين أنّ البقاء في الوطن هو إشارة إلى الكسل. والسفر وسيلة للهروب من الذلّ والإهانة والمشقّة والظلم والاضطهاد والاستبداد، إنّه الحرّيّة والسعي إلى الفضيلة وإشباع الفضول.[7]

وقد اعتمد الشعراء هذه الموتيفات المتداولة لأغراض متعدّدة في قصائدهم. ويمكن النظر إلى فكرة نفسها من وجهات نظر متعارضة بحسب السياق. وتتتبّع بياتريس غروندلر التطوّر التاريخيّ للنوع الأدبيّ، وتوضّح بعض الثيمات والاتّجاهات الموجودة في المختارات الأدبيّة عن الحنين إلى الأوطان. وتركّز على المواقف المنقسمة والمتغيّرة حول الأصل الجغرافيّ كما يظهر في شكل الوطن، والوطن المتغيّر، وفي اختيار مغادرة الوطن، وفكرة الوطن العالميّ، والحرّيّة والازدواجيّة، فضلًا عن التنقّل والنفي.[8] 

المدينة باعتبارها رمزًا للحاكم

توسّع مفهوم الوطن، باعتباره مكان ولادة الشاعر أو أرض قبيلته أو قبيلة أحبّائه، في فترة الحكم الأمويّ ليشمل المدن، وذلك استجابةً للتغيّرات الاجتماعيّة- السياسيّة الأخيرة التي طرأت على جميع أنحاء العالم الإسلاميّ. وقد أدّى الشاعر في بلاطات الخلفاء العبّاسيّين دورًا مزدوجًا: فكان، من جهة أولى، شخصيّة عامّة - أي مستشار الخليفة ونديمه والمتحدّث باسمه - ومن جهة أخرى، شخصيّة خاصّة يحمل وحده وزرها، ولم يكن هذان الدوران دائمي التوافق. وإنّ مدينة كبغداد كانت المسرح الذي أثبت الشعراء من خلاله أنفسهم بوجه احترافيّ، وبات الشعر بذلك مهنة مشحونة بالسياسة والمنافسة والمساجلة. وأصبحت المدينة بهذه الديناميكيّة بمثابة الحاكم أو الخليفة أو الأمير نفسه إلى حدّ كبير. ففي الواقع، عادل الدخول فيها والخروج منها الدخول في حضرة الحاكم وعطاياه والخروج منهما، فصاغت بالتالي آداب البلاط علاقة الشاعر بالمدينة وضبَطَتْها. وقد كانت للشعراء علاقات غير مستقرّة مع الحكّام ومدنهم، وحرصوا على إجراء تعديلات على ما صدر عنهم، إذا ما دعت الحاجة، كما يظهر في حادثةٍ جرت بين أبي تمّام وابن أبي دؤاد، قاضي بغداد. فأبو تمّام، بعد إهانته قبيلة القاضي المذكور عن غير قصد، نظم قصيدتَين لاستعادة رضا الحاكم ولمصالحة نفسه مع مدينة بغداد.[9]

أتاني عائر الأنباءِ تســـــــــري                      عقاربه بداهية نــــــــــــــــــــــــــــــــــــــآـدِ

* * *

بأنّي نلتُ من مضر وخبّــت                إليك شكيّتي خبَبَ الجــــــــوادِ

وما ربعُ القطيعةِ لي برَبـــــــــعٍ                 ولا نادي الأذى منّي بنـادي

وأين يجورُ عن قصدٍ لساني                        وقلبي رائحٌ برضاك غـــــادي[10]

فلم تكن المدينة وطنًا، بل كانت حلبة ينجح فيها الشاعر أو يفشل. والمدينة هذه تملك القدرة على حماية الشاعر أو نبذه.

سعيًا وراء الرزق

حين أخذت الإمبراطوريّة العبّاسيّة تضعف، ضعُفت صِلات الشعراء مع مراكز السلطة الخلافيّة، كبغداد مثلًا - وهي صلات كادت أن تصل إلى العبوديّة. أمّا علاقة الشعراء بالمدن التي زاروها فأصبحت عابرة نتيجة عاملَين هما: تكاثر البلاطات في القرنَين الرابع والخامس الهجريَّين ونشوء ظاهرة امتهان الشعر. ولم يعد خروج الشاعر من المدينة وبلاطاتها على خطورة أو أهميّة الخروج من بلاطات الخلفاء العظماء.[11] وكان من الطبيعيّ أن يتنقّل الشاعر المتجوّل بين مختلف البلاطات، فلم يشعر في ذلك بأنّه مقيّد بإحساسٍ بالولاء أو الانتماء قد يمنعه من هجاء المدينة التي غادرها. وتوضّح سيرة المتنبّي الذاتيّة (تـ 354/965) هذا السفر المتواصل في بحثه عن الرعاية والمجد. وغالبًا ما تظهر ثيمة "رفض الوطن" في شعره، فيقول في قصيدة وجّهها من مصر إلى حاكمه سيف الدولة الحمدانيّ ( حكم بين 333-356/944-967) في حلب:

بِمَ التعَــلّلُ لا أهــــلٌ ولا وطــــــــــنُ               ولا نَديمٌ ولا كأسٌ ولا سَـــــــــــــــــــكـــــنُ

أُريدُ مِن زَمَني ذا أن يُبلّغَنــــــــي               ما ليسَ يَبلُغُه من نفسِه الزمــــــــــنُ

لا تَلْق دَهرَك إلّا غيرَ مُكترثٍ              ما دام يصحَبُ فيه روحَكَ البدَنُ

فما يُديمُ سرورٌ ما سُرِرتَ بــــه                       ولا يَرُدّ عليـــــكَ الفائـتَ الحَـــــــــــــزَنُ[12]

وقد وجد المتنبّي في نهاية المطاف مأوًى له في مصر، في بلاط كافور الإخشيديّ (حكم بين 334-357/946-968). وعندما هرب، نظم قصيدةً هجا فيها كافورًا ومعه مصر وشعبها على حدّ سواء، يقول فيها:

أكُلّما اغتالَ عبدُ السوءِ ســـــــــــــــيّدَهُ             أو خانَهُ فلَهُ في مصرَ تمهيدُ

صارَ الخصِيّ إمام الآبقينَ بهــــا                     فالحُرُّ مُستعبَدٌ والعبدُ معبــــــودُ

نامَت نواطيرُ مصرَ عن ثعالِبها                    فقد بَشِمنَ وما تنفى العناقيـــــدُ[13]

وظلّ المتنبّي يعدّ نفسه غريبًا حتّى بعد أن وجد ملجأً في بوّان، وهو وادٍ قريب من شيراز:

 ولـــكنّ الفتــــــى العربـــــــــــــيّ فيهــــــا                     غريـــــــبُ الوجهِ والــــيدِ واللســــــانِ[14]

المدينة وأهلها

يطبع سكّان المدن الأصليّون مدنهم بطرق متعدّدة. ولا يختبر الزوّار حياة مدينة أو منطقة ما بالتجوّل فيها أو بالاستفادة من كرم حاكمها فحسب، بل بالتفاعل مع سكّانها. ولم يكن القاضي أبو علي المسبّخيّ/المسبّحيّ (توفّي قبل القرن الخامس/الحادي عشر) سعيدًا بمنصبه في سجستان، فنظم أبياتًا قليلةً وصف فيها مشاعره:

حُلولي سِجســـــــــتان إحدى النـوبْ                    وكوني بها من عجيب العجـبْ

وما بسجســــــــــــــــــتان من طــــائــــــــــلٍ                     سوى حُسن نرجسها والرطـــــبْ[15]

ويستثني المسبّخيّ/المسبّحيّ الأمير من مهاجمته هذه بشكل مثير للاهتمام:

يا سجســـــــــــــــتان قد بَلوناكِ دهــــرًا                     في حراميكِ من كلا طَرفَيــــــــــــكِ

أنتِ لولا الأمير فينــــــــــا لقُلنــــــــــــــا:                     لعنَ الله من يصيرُ إليـــــــــــــــــــــــــــك[16]

ويقول الشاعر الأندلسيّ ابن باقي (تـ 545/1150) في وصفه مدينة إشبيلية:

أَقمتُ فيكُم على الإقتـــــــــارِ والــعَدَمِ                   لو كنتُ حُرًّا أبِيَّ النفـــــــــسِ لم أُقِـمِ

فلا حديقَتُكُم يُجنى لها ثمَــــــــــــــــــــــــــــرٌ                    ولا سمــــــــــــــاؤكُم تَنْهـــــــــلّ بِالديَــــــــــــــــــمِ

أنا امْرُؤٌ إنْ نَبَتْ بي أرضُ أندلُسٍ                  جئتُ العراقَ فقامَتْ لي على قَدَمِ

ما العيشُ بالعِلْمِ إلّا جيلةٌ ضَعُفـتْ                   وحِرْفةٌ وُكلَــــــــــتْ بالقُعْدُدِ البـــــــــــــرِمِ[17]

وعلى نحو مماثل، يصف بدر الدين الغزّي (تـ 984/1577) بمقطوعات قليلة، في كلامه على رحلته من دمشق إلى اسطنبول، سوء استضافة سكّان مدينة بعلبَكّ إيّاه. فقد منعوا عنه طعام الإفطار في شهر رمضان:

شــــــــــــــهر الصيـــــــــام الكريــــــــــــــــــــــم                         والبخــــــــــــــــل فيكـــــــــــــــم ســــــــــــجيّه

هبنـــــــــــــــا نصـــــــــــــــــــــوم نهــــــــــــــــــــارًا                       أليـــــــــــــــــس تأتــــــــــــــــــــي العشـــــــــيّه[18]

وقد تُهاجَم المدينة كذلك بسبب فساد أهلها. ويقتبس بدر الدين الغزّي الأبيات التالية في وصفه مدينة حمى السوريّة:

عمّ الفساد حمى حماة فمردهــــــا                      ورجالها ونســــــــــــائهـــــــــنّ جميعـــــــا

شـــــبه النواعيــر التي يهوونهـــــــــــــا                      من مسّه العاصي يدور سريعـا[19]

ومن المواقف المضحكة موقف أبي نُخيْلة (تـ 145/762) الذي هاجم أهل اليمن لقبحِهم، عادًّا نفسه أجملهم على الرغم من قبحه الذي اشتُهر به:

لم أرَ غـــــــــــــــــــــــــيري حســـــــــــــــــــــــــــنا                       مـــــــــــــــــــــــــــــنذ دخلـــــــــــتُ اليمنـــــــــــــــــــــا

فــــــــــيا شــــــــــــــــــــــــــــــقاء بلــــــــــــــــــــــــــــــــدةٍ                       أحســـــــــــــــــــــــــــنُ من فيهـــــــــــــا أنـــــــا![20]

في البحث عن اشتقاق الكلمة

يمكن مهاجمة المدن أن تتّخذ شكل الرسوم الكاريكاتوريّة المضحكة المبنيّة على القوالب النمطيّة العرقيّة السياسيّة والاجتماعيّة، ويمكنها أن تصبح تمرينًا شعريًّا للشعراء. وإنّ الذمّ على النحو المذكور لا يُعلن انتقال الشاعر وسفره فحسب، بل يتيح له فرصة إظهار قدراته على تصوير المساوئ، على القدر الذي غالبًا ما كان سيصوّر به محاسن مدينة ما وبلاطها. وكثيرًا ما وظّف الشعراء في مهاجمتهم المدن جناسًا أو تلاعبًا لفظيًّا أو اشتقاقات الكلمات المزيّفة التي تتلاعب باسم المدينة، فيحدّد الاسم الجديد أو الاشتقاق المزيّف طبيعة المدينة. وغالبًا ما كانت بخارى هدفًا لمثل هذا الهجوم، ذلك نتيجة التلاعب اللفظيّ بالجذر الثلاثيّ خ - ر- ي الذي يتشاركه اسم المدينة مع كلمة "خرا." ونذكر على سبيل المثال ثلاثة أبيات وردت في يتيمة الدهر للثعالبيّ، نظمها أبو الطيّب الطاهريّ الخراسانيّ (توفّي حوالى العام 321/933) الذي خدم السامانيّين جهرًا واحتقرهم سرًّا:

بخارى من خرًى لا شــــــــكّ فيـه              يعِزُّ بربعها الشـــــــــــــــــــــــيءُ النظيــفُ

فإن قلتَ: الأميرُ بـــــــــها مقيـــــــمٌ               فذا من فَخرِ مُفتخـــــــــرٍ ضعيــــــــــفُ

إذا كان الأميرُ خرًا فقل لــــــــــــي               أليسَ الخُرءُ موضِـــــــــعُه الكنيـفُ[21]

وقد تناول بعد ذلك أبو أحمد بن أبي بكر هذا المعنى الشعريّ، وفقًا للثعالبيّ، ونظم بيتَين في هجاء بُخارى:

لو الفرسُ العتيقُ أتـــى بخارى                       لصـــــــــــــار بطبعِه فيها حمـــــــــــــــــــارا

فلم ترَ مِثلهـــــــــا عيني كنيفًــــــــــــا                       تـبوَّأه أمــــــــــيرُ الشـــــــــــــــــــــــــــــــرق دارا[22]

ويبدو أنّ الثعالبيّ، باعتباره جامع مختارات أدبيّة، وجد هذه الأمثلة الشعريّة مضحكة واقتبس غيرها بما فيها أبيات الغربياميّ (توفّي في القرن الخامس/الحادي عشر):

ما بلـــــــــــــــدة منتنـــــــــة من خـــــــــــرا               وأهلهــــــــــــــــا فــــــي جوفهـــــــــــــــــــا دود

تلك بخـــــــارى من بخار الخرى      يضــــــــــــــــــيع فيهـــــــا النَــــــــــدّ والعود[23]

وأبيات الشاعر السامانيّ أبو عليّ الساجيّ (توفّي قبل العام 430/1038):

بـــــاءُ بخـــــــــارى فاعلمـــــــــنّ زائده                      والألــــــــــــــف الأولـــــــــــــى بلا فائـــــده

فهي خرًا محــــــــــضٌ وسكّانُهــــــا                       كالـــطيرِ في أقفاصِـــــــــــــها آبــــــــــده[24]

لم تكن بخارى محظوظة باسمها. لكن، علاوةً على التلاعب اللفظيّ به، كان لدى شعراء آخرين المزيد ليقولوه بشأنها. ويضمّ الثعالبيّ عددًا من هذه المقطوعات، فيقول المتنبّي:

بخــــــــــــــــارى كلّ شـــــيء منــــــــــك                       يـــــــــــــــــــــا شــــــــــــــــــــوهاء مقلــــــــــــــــــوب

قضــــــــــــــــــاة النــــــــــــاس ركّـــــــــــــاب                        فلـــــــــــــم قاضــــــــــــــــــــيك مركـــــــــــــوب[25]

بينما يقول فيها الشاعر السامانيّ أبو منصور العبدونيّ (توفّي قبل 430/1038):

 إذا ما بــــــــلاد الله طـــــــاب نسيمهــا           وفاحت لدى الأسحار ريح البنفسج

 رأيت بخارى جيفة الأرض كلّهــــا           كـأنّك منها قــــــاعد وســـــــــط مخــــــــــرج

 فيا ربّ أصلح أهلها وانف نتنهـــا           وإلّا فعنــــــــــــــــها ربّ حـــــــوّل وفـــــــــــــرّج[26]

إنّ هذا البحث عن اشتقاق جديد لم يقتصر على بخارى. فقد نظم الطبيب محمّد بن عليّ بن رفاعة (توفّي في القرن السابع/الثالث عشر) مقطوعة في مهاجمته مدينة شاريش الأندلسيّة، يقول فيها:

شـــــــــــــــــــريــــــــــش مــــا أنــــــــــــــــــت إلّا              تصحيــــــــــــــــف شـــــــــــــــــــــرّ يبيــــــــــــــــــــن

فارحــــــــــــل فديتــــــــــــــــــــــــــك عنهــــــــــــا              إن كنـــــــــــــــــــــت مــِــــــــــــــــمَّن تديــــــــــــــــن

فقلّمـــــــــــــــــــا ســـــــــــــــــــــــاد فيهـــــــــــــــــــــــــا               حـــــــــــــــــــــــرّ ولا مَــــــــــــــــن يُعــــــــــــــــــــــــــين[27]

إنّ الهجومات اللاذعة على المدن، كما نرى في ما ذكرناه، تُظهر ما قد يوصف بأنّه تنافسٌ بين الشعراء والمدن. وإنّ إمكانيّة تغلّب الشاعر على مدينة ما تعود إلى اتّصاله بها على مستوى فرديّ. ولهذا السبب أيضًا قد تنطوي مهاجمة مدينة ما أو حتّى إهانتها على علاقةٍ مباشرةٍ وشبه شخصيّة. ولا يزال الشاعر، في هذا السياق، يتصوّر أنّ شخصيّته وشخصيّة المدينة متقابلتان. إلّا أنّ هذه العلاقة تتغيّر مع الوقت بوجهٍ ملحوظ، فشخصيّة الشاعر تضعف مقارنةً بشخصيّة المدينة التي تتحوّل من موقع يتمّ دخولُه والخروج منه، إلى حالة ذهنيّة سائدة ومستمرّة ومستعصية.

منظورات حديثة

المشهد المدينيّ: من الحرّيّة إلى المنفى

تتطوّر الحرّيّة النسبيّة التي تمتّع بها الشعراء في فترة ما قبل الحداثة الناتجة من توافر الخيارات، تتطوّر في العصر الحديث إلى ما هو أبعد عن الحرّيّة وأقرب إلى المنفى. وإنّ الحداثة في القرن العشرين في التقليد العربيّ، كما هو الحال في التقاليد الأخرى، أظهرت استجوابًا مستمرًّا- ربّما الآن أقوى إلحاحًا- لدور الشاعر ومكانته في المجتمع والعالم. وطَرَحَ هذا الاستجواب الذاتيّ أسئلةً جوهريّةً شغلت شعراء حداثويّين عظماء أمثال توماس ستيرز إليوت (T. S. Eliot) ووالاس ستيفنس(Wallace Stevens)،[28] وشعراء عرب حداثويّين أمثال أدونيس (وُلِد العام 1930) وبدر شاكر السيّاب (1926-1964) وعبد الوهّاب البيّاتي (1926-1999) وصلاح عبد الصبور (1931-1981) وآخرين. وإنّ المشهد المدينيّ، مع كلّ تناقضاته وإمكانيّاته، وفّر المشهد المثاليّ العامّ للسعي من أجل الاختلاف والتعبير والشعر في "واقع غير شاعريّ البتّة."[29]

وقد أشار الدارسون في كثير من الأحيان إلى مركزيّة المدينة في صياغةِ شعريّةٍ جماليّةٍ حداثويّةٍ.[30] ووفّر المشهد المدينيّ فضاءً ملائمًا لما سعى إليه المشروع الحداثويّ من إعادة رسم الماضي وتشكيله ثانيةً. وقد ترسَّخت الحركة الحداثويّة العالميّة، التي دُرِسَت تأثيراتها على الحداثويّين العرب بوجهٍ مكثّف،[31] في المدن[32] في مشهد عامّ تحدّى نماذج الجمال والإلهام في المعنى التقليديّ. وقد انفصلت الجماليّة الشعريّة الحديثة عن المُثل والتوقّعات التقليديّة، وذلك استجابةً للتغيّرات الكوزموغرافيّة للمدينة في أعقاب الثورة ما بعد الصناعيّة. وتحسّر وردزورث (Wordsworth) على هذه الحقيقة في كتابه Preface to the Lyrical Ballads، عند وصفه الشعر الناتج من "تراكم الرجال المتزايد في المدن"  و"رغبتهم في واقعة استثنائيّة" ومن "التعطّش المخزي إلى الإثارة الشائنة" بـ"الفاسد عمومًا."[33] وإنّ "الحداثة" في الأدب ذاتُ نواحٍ مدينيّة جماليّة بوجهٍ كبير، إذ يصبح الشاعر الحديث، كما يقول سانتيللي (Santilli)، "مشاركًا وبطلًا في العمليّة المستمرّة لبناء المدينة وتفكيكها."[34] أمّا الحداثة الشعريّة في السياق العربيّ فكانت جزءًا من حركة اجتماعيّة - سياسيّة وفكريّة وجماليّة أكبر انبثقت من مراكز مدينيّة رئيسيّة مثل بيروت والقاهرة ودمشق وبغداد.[35]

وعليه، تظهر المدينة باعتبارها إحدى الثيمات البارزة في الشعر الحديث[36] وباعتبارها نموذجًا شكليًّا أو معماريًّا تُبنى عليه القصيدة الحديثة.[37] وتقدّم المدينة، بشوارعها "التي تتتابع كالحجج المملّة،"[38] وبنوافذها التي تمثّل "المربّعات المُعتِمة أو المُضيئة"[39] حيثُ يعيش المرء حياته، بتفاعلها مع العامّ والخاصّ ومع الجديد والقديم، تُقدّم المدينة بكلّ هذا نموذجًا بنيويًّا للقصيدة الحداثويّة. وإنّ متاهة المشهد المدينيّ، الذي هو في حالة تغيّر مستمرّ، هي انعكاس لأشكال الشعر الحداثويّ الجديدة ومصدر إلهام لها، وهي أشكال دائمًا ما تكون في طور التكوين. ومن هذا المنطلق، إنّ المدينة ليست مجرّد مصدر إلهام للشعر الحديث، بل هي تجسيد لجماليّته التي تنبثق من المألوف والطبيعيّ والاصطناعيّ.

الشاعر في مواجهة المدينة الفاسدة

لا تتّصف علاقة الشاعر الحديث بالمدينة دائمًا بالامتنان، على الرغم من الدَيْن الذي تدين به القصيدة الحديثة لها، فغالبًا ما وقف الشعراء الحديثون من المدينة موقف عداء. وإنّ المشهد المدينيّ بضجيجه وشبكة علاقاته، هو ما يستند عليه هؤلاء لإيجاد صوت لهم يعتمدونه غالبًا في مهاجمة المدينة وندب استبدادها والشكوى من فتورها. وقد تعامل الشعراءُ في حركة الشعر الحرّ العربيّ، خاصّة في اتّجاهه التمّوزيّ،[40] وهو اتّجاه شعريّ استند على علم الأساطير القديمة في الشرق الأدنى في إشارةٍ إلى الحاجة الملحّة إلى تجديد الثقافة العربيّة، تعاملوا مع المدن على اعتبارها مكان البعث المرتقب. وعليه، أصبحت المدينة استعارة للنظام العالميّ المستبدّ والفاسد الذي لا بدّ من طمسه والتغلّب عليه. ويعبّر السيّاب عن بُغضه للمدينة التي ضيّقت صدره، ويعظّم من حنينه إلى نقيض المدينة، أي جيكور، القرية التي أمضى فيها طفولته:

وتلتفّ حولي دروب المدينة

حبالًا من الطين يمضغن قلبي

ويعطين عن جمرة فيه طينة

حبالًا من النار يجلدن عرى الحقول الحزينة

يحرقن جيكور في قاع روحي

ويزرعن فيها رماد الضغينة.[41]

وقد ظلّ السيّاب غريبًا في المشهد المدينيّ، إذ إنّه شاعر لم يتخلّ قطّ عن شوقه إلى طفولته. لذلك، لطالما كانت رؤيته مشحونة بالحنين والشعور بالفقدان. أمّا المدينة عنده فهي مسخ وحبل مشنقة ونار حارقة:

هنا لا طير في الأغصان تشدو غير أطيار

من الفولاذ تهدر أو تحمحم دونما خوف من المطر

ولا أزهار إلّا خلف واجهة زجاجيّة

يراح إلى المقابر والسجون بهنّ والمستشفيات.[42]

على الرغم من ذلك، لن يتحقّق البعث المُرتقب إلّا في أرض المدينة القاحلة. فلا سبيل نحو عالم أفضل، ولا سبيل نحو جيكور، إلّا عبر المدينة - الموقع الذي سيُعاني فيه الشاعر وشعبه ألم الخلاص. ويحدّد السيّاب في افتتاحيّة قصيدته "المسيح بعد الصلب" علاقة الشاعر بالمدينة الغافلة وغير المبالية، وهي علاقة لا مناص منها:

بعدما أنزلوني سمعت الرياح

في نواح طويل تسف النخيل

والخطى وهي تنأى إذن فالجراح

والصليب الذي سمّروني عليه طوال الأصيل

لم تمتني وأنصتّ كان العويل

يعبر السهل بيني وبين المدينة

مثل حبل يشدّ السفينة

وهي تهوي إلى القاع كان النواح

مثل خيط من النور بين الصباح

والدجى في سماء الشتاء الحزينة

ثمّ تغفو على ما تحسّ المدينة.[43]

ولم يعد الشاعر الحديث هو الذي يسكن المدينة، بل باتت هي التي تسكنه، وتُصبح امتدادًا لمخاوفه وإحباطاته. وقد أشار روبن كريسويل (Robin Creswell) إلى أنّ تجنّب المدينة خاصيّة من خصائص الحداثة العربيّة، مثلما كان الانغماس في الحياة المدينيّة من طوابع العديد من أسلاف هذه الحداثة.[44] والمدينة، على الرغم من حضورها الطاغي في قصائد الحداثويّين العرب، هي وهميّة ولوازمها غائبة ومشهدها مفقود. وينطبق هذا بوجهٍ خاصّ على شعر خليل حاوي (1919-1982) الذي مال إلى الاختصار والمجاز. وإنّ مدينة بيروت، عند حاوي، هي المستنقع،[45] وبيت البغاء،[46] ونعش السكارى،[47] وجحيم بارد[48] وهي الآخر الذي يستهزئ بالشاعر استهزاءً وجوديًّا:

نحن لم نخلع ولم نلبس وجوه

نحن من بيروت، مأساة ولدنا

بوجوه وعقول مستعاره

تولد الفكرة في السوق بغيًا

ثمّ تقضي العمر في لفق البكارة.[49]

المدينة باعتبارها استعارة

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المدينة في أكثر أعمال السيّاب هي مدينة مجرّدة غير مسمّاة، وبديلة عن المدن كافّة، عربيّة كانت أم غير عربيّة. والمدينة، عند الشاعر الحداثويّ، هي استعارة لكلّ المعضلات التي يواجهها والتي من ضمنها موقعه الجدليّ في المجتمع، وعلاقته بالتقاليد، وذاكرته الشعريّة اللغويّة وسعيه لتحقيق صوت شعريّ "جديد." وقد تناول شعراء حداثويّون آخرون مُدنًا معيّنة ذاكرين أسماءها، ومقدّمين أوصافًا لاذعةً لها، ومعبّرين عن إحباطهم الكبير تجاهها باعتبارها خصمهم، فتصبح المدينة إذًا خصم الشاعر حتّى تكاد تكون عدوّته. وخير مثال على ذلك مجموعة "مدينة بلا قلب" لأحمد عبد المعطي حجازي (وُلِد العام 1935). ففي قصيدةٍ له بعنوان "الطريق إلى السيّدة"، يعبّر الشاعر عن استيائه من القاهرة التي حوّلته إلى "نكرة،" ويسعى، على منوال السيّاب، إلى النجاة من المدينة. ويختم حجازي قصيدته بتكرار شبيه بالدعاء، يؤكّد فيه وجهته في المدينة وهدفه من التجوّل فيها، وهو الوصول إلى مزار السيّدة زينب.[50]

يا قاهرة

أيا قبابًا متخمات قاعدة

يا مئذنات ملحدة

يا كافرة

أنا هنا، لا شيء كالموتى، كرؤيا عابرة

أجرّ ساقي المجهدة

للسيّده

للسيّده.[51]

غير أنّ الهرب من المدينة مستحيل. ففي سبيل النجاة منها، يتوجّب على الشاعر ضمان نجاتها هي كذلك. فلم تعد المدينة بالتالي مكانًا ماديًّا لا يستطيع الشاعر مغادرته، بل باتت استعارة تلازمه وتسافر معه أينما ذهب. والشاعر الحديث هو الكاهن والنبيّ وشبيه المسيح والناشط السياسيّ الذي لم يعد قادرًا على تبرئة نفسه من أمراض المدينة وعللها، فذنوبها ذنوبه ومهمّته أن يغيّر العالم أو، ببساطة، أن يحلم بعالم أفضل. ويحوّل حجازي، في قصيدة له بعنوان "عيون"، ميناء المدينة إلى سجن، فالضجيج يجعله أبكمَ والحشود لا تزيده إلّا وحدةً. وهو يُخضع نفسه للحلم بالحياة بدلًا من عيشها، أو لتصوّر مدينة ما عوضًا عن التفاعل معها:

لأنّني أعيش في ميناء

أحار من تعدّد الأجناس واللغات والأزياء

فأرقب الحياة صامتًا

مكبّل الحنين

كأنّني بيني وبين الناس قضبان

كأنّي سجين

أشير، أحلم الحياة لأعيشَها.[52]

وعلى الرغم من أنّ حجازي يذكر القاهرة باسمها، إلّا أنّها لم تكن المدينة الوحيدة التي يَعنيها. فهو يتوجّه بكلامه إلى المدينة المجازيّة المجرّدة التي تمثّل محور تجربته الشعريّة. وفي الواقع، إنّ المدينة في أعمال أكثر الشعراء العرب الحديثين إنّما هي حلم المدينة، وهي أمل المدينة الذي يتصادم دومًا مع واقعها. ولهذا السبب يجد شاعر كأدونيس نفسَه في منفى أبديّ، فهو يتجوّل في قصيدته "ريشة الغراب" في شوارع المدينة، غير أنّها لا تعترف به، فيبقى وحيدًا وتبقى بدورها بعيدة المنال ومتعذّر بلوغها:

من مغرب الشمس إلى ضُحاها

أعبر بيروت ولا أراها

أسكن بيروت ولا أراها

وحدي أنا والحبّ والثمارْ

نمضي مع النهارْ

نمضي إلى سواها.[53]

وإنّ بيروت التي يصوّرها أدونيس في ما سبق بانعزالها وصعوبة الوصول إليها، هي المدينة المبالغ فيها والمجازيّة في قصيدة خليل حاوي "ليالي بيروت". فبيروت في عالم حاوي الشعريّ هي لندن إليوت (Eliot)، وباريس بودلير (Baudelaire)، وبغداد السيّاب، وقاهرة حجازي، وهي بابل وسدوم وروما. هي المدينة المجرّدة، وهي كلّ مدينة تبعد الشاعر بتأثيرها المنفّر:

"إنّ في بيروتَ دنيا غيرَ دنيا"

"الكدحِ والموتِ الرتيبْ"

"إنّ فيها حانةً مسحورةً،"

"خمرًا، سريرًا من طيوبْ"

"للحيارى"

في متاهات الصحارى،

في الدهاليزِ اللعينَهْ

ومواخيرِ المدينهْ

(...)

مَن يقوّينا على حملِ الصليبْ

كيف ننجو من غِواياتِ الذنوبْ

والجريمهْ؟[54]

وتهدّد المدينة الشاعر وتنبذه بقدر ما تسمح له بالحرّيّة والإلهام. والمدينة، على حدّ قول جويس (Joyce)، هي حيثُ "لا أحد يشكّل شيئًا،"[55] وهي مكان التقاءِ الأضداد، والتقاء الأضداد هذا مهما كان محفّزًا وملهمًا، يجبر الشاعر على مواجهة ضعفه وعشوائيّة علاقاته بمحيطه وهشاشتها. ويذكر محمّد الماغوط (1934-2006) في قصيدته المعنونة "مقهى بيروت": "لا شيء يربطني  بهذه الأرض سوى الحذاء."[56] ولا شاعر أفضل من الماغوط في الإحاطة بوجود المدينة القمعيّ. فشخصيّته الشعريّة هي شخصيّة المتسكّع بامتياز والطوّاف المتشرّد، والمدينة في عمله لا تقدّم إلى الشاعر أكثر من أسفلت الرصيف ولا تمنحه حرّيّة أكثر من حرّيّة التسكّع. وكانت دمشق، "قافلة النساء الورديّة التي أُسِرت"[57]، الوطن الذي عانى فيه الماغوط والذي رفضه في نهاية المطاف. ومع كون بيروت منفاه ومأواه، إلّا أنّ وجهها القبيح لم يغفل عنه. ولم تكن بيروت ودمشق، على حدّ سواء، سوى شكلين للمدينة المجرّدة نفسها التي انشغل بها معاصروه. وعلى الرغم من أسماء الشوارع المحدّدة، فإنّ جولة في بيروت تُطابِق الجولة في أيّ مدينة أخرى، وإنّها استعارة لتهميش الشاعر الأبديّ:

من "بلس إلى جان دارك"

من "جان دارك إلى بلس"

رفعتُ يدي مئات المرّات

محيّيًا مئات الأشخاص

باليد التي تكتب

والتي تجوع

...

من "جان دارك إلى بلس"

ومن "بلس إلى جان دارك"

سرتُ ملايين الكيلومترات المرصوفة فوق بعضها

رأيتُ أطنانًا من النساء والخادمات

تأمّلتُ النقود البرّيّة

والحلوة الهادرة تحت الجسور

تأمّلتُ أصابع النادل الرفيعة

وهي تمسح دموعي عن الطاولة كالحساء.[58]

تتطوّر علاقة الشعراء بالمدينة ورؤاهم الخاصّة بهذه العلاقة بطرق تعكس نظراتهم المتباينة لدورهم ومكانتهم في المجتمع. فيتطوّر دور الشاعر من كونه بطلًا إلى معبّرٍ عن صوت الجماعة وممثّلًا لها، إلى شاعر بلاط يؤدّي دورًا محدودًا في النظام الاجتماعيّ والسياسيّ، وأخيرًا إلى الدخيل المستبعد المتأمِّل. وتتحوّل المدينة نفسُها، في ضوء هذه الرؤية المتطوّرة، إلى حالة سائدة. فهي لم تعد موقعًا أو علاقة يختار الشاعر التخلّي عنها، بل أصبحت تجسيدًا لمخاوف الشاعر الحديث وخيباته.

المصادر العربيّة

  • ابن سعيد المغربيّ. المُغرِب في حلى المَغرب. تحقيق شوقي ضيف. القاهرة: دار المعارف، 1964.
  • ابن عبد ربّه. العقد الفريد. تحقيق أحمد أمين وآخرين. القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1962.
  • ابن المرزبان. الحنين إلى الأوطان. تحقيق جليل العطيّة. بيروت: عالم الكتب، 1987.
  • أبو تمّام. ديوان أبي تمّام. تحقيق محيي الدين صبحي. بيروت: دار صادر، 1997.
  • الثعالبيّ، أبو منصور. زاد سفر الملوك. تحقيق رمزي بعلبكي وبلال الأرفه لي. بيروت: منشورات المعهد الألمانيّ للأبحاث الشرقيّة (سلسلة النشرات الإسلاميّة 52)، 2011.

______. يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. القاهرة: المكتبة التجاريّة، 1956.

  • الصفديّ. الوافي بالوفيات. تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى. بيروت: دار إحياء التراث العربيّ، 2000.
  • الصوليّ، أبو بكر. أخبار أبي تمّام. تحقيق محمد عبده عزّام. القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1937.
  • الغزّيّ، بدر الدين. رحلة بدر الدين الغزّيّ إلى اسطنبول. تحقيق عبد الرحيم حسين وطارق أبو حسين. اسطنبول: غرفة تجارة اسطنبول، د. ت.
  • المتنبّي. ديوان المتنبّي بشرح أبي البقاء العكبريّ. تحقيق مصطفى السقّا وآخرين. القاهرة: البابي الحلبيّ، 1936.
  • المراجع العربيّة
  • أدونيس. أغاني مهيار الدمشقيّ. بيروت: منشورات مواقف، 1970.
  • باشا، مهجة أمين. رثاء المدن والممالك في الشعر الأندلسيّ. دمشق: شراع للدراسات والنشر، 2003.
  • حاوي، خليل. ديوان خليل حاوي. بيروت: دار العودة، 1972.
  • حجازي، أحمد عبد المعطي. مدينة بلا قلب. بيروت: دار الأدب، 1959.
  • إسماعيل، عزّ الدين. الشعر العربيّ المعاصر: قضاياه وظواهره. القاهرة: دار الكتاب العربيّ، 1967.
  • السودانيّ، عبدالله عبد الرحيم. رثاء غير الإنسان في الشعر العبّاسيّ. أبو ظبي: دار المجمّع الثقافيّ، 1999.
  • السيّاب، بدر شاكر. ديوان بدر شاكر السيّاب. بيروت: دار العودة، 1971.
  • شاهين، محمد. إليوت وأثره على عبد الصبور والسيّاب. بيروت: المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، 1991.
  • ضيف، شوقي. العصر العبّاسيّ الأوّل. مصر: دار المعارف، (د. ت.).
  • الماغوط، محمد. حزن في ضوء القمر. بيروت: دار مجلّة شعر، 1959.
    ________. غرفة بملايين الجدران. دمشق: المطبعة القوميّة، 1964.

المراجع الأجنبيّة

  • Abdel-Hai, Muhammad. “Shelley and the Arabs: An Essay in Comparative Literature.” Journal of Arabic Literature 3 (1972), 72-89.
  • Arazi, Albert. “al-Ḥanīn ilā l-awtān Entre la Ǧāhiliyya et l'Islam Le Bédouin et le citadin reconciliés.” Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft 143 (1993), 287- 327.
  • Arnold, Matthew. Selected Letters of Matthew Arnold. Ed. Clinton Machann and Forrest Burt. London: Macmillan, 1993.
  • El-Azma, Nazeer. “The Tammūzī Movement and the Influence of T. S. Eliot on Badr Shākir al-Sayyāb.” Journal of the American Oriental Society 88.4 (1968), 671-8.
  • Azouqa, Aida. “Metapoetry between East and West: ‘Abd al-Wahhāb al-Bayyātī and the Western composers of Metapoetry: A study of Analogies.” Journal of Arabic Literature 39 (2008), 38-71.
  • Baker, Dorothy. Mythic Masks in Self-Reflexive Poetry: A Study of Pan and Orpheus. Chapel           Hill: University of North Carolina Press, 1986.
  • Baudelaire, Charles. Paris Spleen. Trans. Keith Waldrop. Middletown CT: Wesleyan University Press, 2009.
  • Bauer, Thomas. “Fremdheit in der klassischen arabischen Kultur und Sprache,” in Fremdes in fremden Sprachen. Ed. Brigitte Jostes and Jürgen Trabant. München: W. Fink, 2001, 85-105.
  • Bencheikh, Jamal Eddine. “Poétique arabe: essai sur les voies d'une creation.” Paris: Éditions Anthropos, 1975.

______. Poétique arabe: précédée de essai sur un discours critique. Paris: Éditions Anthropos, 1975.

  • Creswell, Robyn. Tradition and Translation: Poetic Modernism in Beirut. Unpublished PhD diss. New York University, 2013.
  • Eliot, Thomas Stearns. Selected Poems. London: Faber, 1954.
  • Faḍḍūl, ‘Āṭif. The Poetics of Eliot and Adūnīs. Beirut: Al-Ḥamrā Publishers, 1992.
  • Farrin, Raymond. Abundance from the desert: classical Arabic poetry. Syracuse NY: Syracuse University Press, 2011.

______. “The Poetics of Persuasion: Abū Tammām's Panegyric to Ibn Abī Duʾad.” Journal of Arabic Literature 34.3 (2003), 221-51.

  • Gruendler, Beatrice. “al-Ḥanīn ilā l-Awtān and its Alternatives in Classical Arabic Literature,” in Representations and Visions of Homeland in Modern Arabic Literature. Ed. Sebastian Günther and Stephan Milich. Hildescheim: Olms Verlag, 2016, 1- 41.
  • Harding, Desmond. Writing the City: Urban Visions and Literary Modernism. New York NY: Routledge, 2003.
  • Joyce, James. Ulysses. Ed. Jeri Johnson. New York NY: Oxford University Press, 1993.
  • Khalidi, Tarif. Anthology of Arabic Literature from Classical to Modern. Edinburg: Edinburg University Press, 2016.

______. “Some Classical Islamic Views of the City,” in Studia Arabica et Islamica: Festschrift for Iḥsān ‘Abbās. Ed. Wadād al-Qādī. Beirut: American University of Beirut, 1981, 265- 276.

  • Moreh, Shmuel. Modern Arabic Poetry 1800-1970: The Development of Its Forms and Themes     Under the Influence of Western Literature. Leiden: E. J. Brill, 1976.
  • Müller, Kathrin. “al-Ḥanīn ilā l-awtān in Early Adab Literature,” in Myths, Historical Archetypes and Symbolic Figures in Arabic Literature. Ed. Angelika et al. Beirut: Franz Steiner  Verlag Stuttgart, 1999, 33- 58.
  • Orfali, Bilal. “Employment Opportunities in Literature in Tenth-Century Islamic Courts,” in Studying the Near and Middle East at the Institute for Advanced Study, Princeton, 1935-       2018. Ed. Sabine Schmidtke. Piscataway, NJ: Gorgias Press, 2018, 243- 250.
  • Qadi, Wadad. “Dislocation and Nostalgia: al-Ḥanīn ilā l-Awtān, Expressions of Alienation in Early Arabic Literature,” in Myths, Historical Archetypes and Symbolic Figures in Arabic Literature. Ed. Angelika et al. Beirut: Franz Steiner Verlag Stuttgart, 1999, 3-31.
  • Rosenthal, Franz. “The Stranger in Medieval Islam.” Arabica 44 (1997), 35-75.
  • Santilli, Nikki. Such rare Citings: The prose poem in English literature. Madison WI: Asssociate University Presses, 2002.
  • Shboul, Ahmad. “The Arab poet and the city: Modernity and alienation.” Literature & Aesthetics 15 (2005), 59-74.
  • van Gelder, Geert Jan. “Beautifying the Ugly and Uglifying the Beautiful: The Paradox in Classical Arabic literature.” Journal of Semitic studies 48.2 (2003), 321-51.
  • Wellek, René. Discriminations: Further Concepts of Criticism. New Haven CT: Yale University Press, 1971.
  • Wordsworth, William. Wordsworth’s Preface to “Lyrical Ballads.” Ed. W. J. Owen. Copenhagen: Rosenkilde and Bagger, 1957.

 

 

*  الدكتورة هدى فخر الدين: أستاذة الأدب العربيّ في جامعة بنسيلفانيا في الولايات المتّحدة الأميركيّة.

    الدكتور بلال الأرفه لي: أستاذ في الدراسات العربيّة في الجامعة الأميركيّة ببيروت ورئيس دائرة العربيّة ولغات الشرق الأدنى.

** فاطمة شحوري: طالبة الدراسات العليا في دائرة العربيّة ولغات الشرق الأدنى - الجامعة الأميركية في بيروت.

نُشرت هذه المقالة بالإنكليزيّة بعنوان:

“Against Cities: On hijā’ al-mudun in Arabic Poetry”, in The City in Pre-Modern and Modern Arabic Literature, ed. Nizar Hermes and Gretchen Head (Edinburgh: Edinburgh University Press, 2018), 38-62.

 

[1] Jamal Eddine Bencheikh, Poétique arabe: précédée de essai sur un discours critique (Paris: Éditions Anthropos, 1975), 24-25.

يستعرض طريف خالدي مجموعة كبيرة من وجهات النظر عن المدينة الإسلاميّة، مستندًا إلى التقاليد القرآنيّة والنبويّة وأعمال جغرافيّة وأدبيّة وفلسفيّة وتاريخيّة، انظر:

Tarif Khalidi, “Some Classical Islamic Views of the City,” in Studia Arabica et Islamica: Festschrift for Isān ‘Abbās, ed. Wadād Qādī (Beirut: American University of Beirut, 1981), 265-276.

 [2]  للتوسّع في ثيمة رثاء المدن في الأدب العربيّ الكلاسيكيّ، انظر: مهجة أمين باشا، رثاء المدن والممالك في الشعر الأندلسيّ (دمشق: شراع للدراسات والنشر، 2003)؛ وعبدالله عبد الرحيم السودانيّ، رثاء غير الإنسان في الشعر العبّاسيّ (أبو ظبي: دار المجمّع الثقافيّ، 1999)، 15-120.

[3]   أنظر مثلًا: أبو منصور الثعالبيّ، زاد سفر الملوك، تحقيق رمزي بعلبكي وبلال الأرفه لي (بيروت: منشورات المعهد الألمانيّ للأبحاث الشرقيّة، 2011)، 2-3.

 [4]  نذكر المحاسن والمساوئ لإبراهيم بن محمّد البيهقي مثالًا نموذجيًّا. ويعالج الثعالبيّ الموضوع نفسه في كتبه تحسين القبيح وتقبيح الحسن، واليواقيت في بعض المواقيت، والظرائف واللطائف. وللتوسّع في هذا النوع انظر:

Geert Jan van Gelder, “Beautifying the Ugly and Uglifying the Beautiful: The Paradox in Classical Arabic literature,” Journal of Semitic studies 48.2 (2003), 321-51.

[5]   أنظر مثلًا القصائد المذكورة في: إبن المرزبان، الحنين إلى الأوطان، تحقيق جليل العطيّة (بيروت: عالم الكتب، 1987)، 59-61.

 [6]  الثعالبيّ، زاد سفر الملوك، 80.

[7]   للتوسّع في ثيمة "الحنين إلى الأوطان" انظر:

Wadād Qādī, “Dislocation and Nostalgia: al-Ḥanīn ilā l-Awtān, Expressions of Alienation in Early Arabic Literature,” in Myths, Historical Archetypes and Symbolic Figures in Arabic Literature, eds. Angelika et al. (Beirut: Franz Steiner Verlag Stuttgart, 1999), 3-31; Kathrin Müller, “al-Ḥanīn ilā l-awtān in Early Adab Literature,” in Myths, Historical Archetypes and Symbolic Figures in Arabic Literature, eds. Angelika et al. (Beirut: Franz Steiner Verlag Stuttgart, 1999), 33- 58; Albert Arazi, “al-Ḥanīn ilā l-awtān Entre la Ǧāhiliyya et l'Islam Le Bédouin et le citadin reconciliés,” Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft 143 (1993), 287-327; Franz Rosenthal, “The Stranger in Medieval Islam,” Arabica 44 (1997), 35-75; Thomas Bauer, “Fremdheit in der klassischen arabischen Kultur und Sprache,” in Fremdes in fremden Sprachen, eds. Brigitte Jostes and Jürgen Trabant (München: W. Fink, 2001), 85-105.

أنظر مقدّمة محقّقي كتاب زاد سفر الملوك للثعالبيّ للاطّلاع على قائمة الفصول والمختارات الأدبيّة لثيمة "الحنين إلى الأوطان" مع قائمة أوسع شموليّة للمراجع الثانويّة.

[8]   أنظر:

Beatrice Gruendler, “al-Ḥanīn ilā l-Awtān and its Alternatives in Classical Arabic Literature,” in Representations and Visions of Homeland in Modern Arabic Literature, eds. Sebastian Günther and Stephan Milich (Hildescheim: Olms Verlag, 2016), 1-41.

[9]   أبو بكر الصوليّ، أخبار أبي تمّام، تحقيق محمّد عبده عزّام (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1937)، 146.

أنظر أيضًا قراءة ريموند فارّن للقصيدة رقم 37 لأبي تمّام ولسياسات الاعتذار والتوسّل والمديح المعقّدة:

Raymond Farrin, “The Poetics of Persuasion: Abū Tammām's Panegyric to Ibn Abī Duʾad,” Journal of Arabic Literature 34.3 (2003), 221-51.

[10] أبو تمّام، ديوان أبي تمّام، تحقيق محيي الدين صبحي (بيروت: دار صادر، 1997)، 215:1.

[11] أنظر:Bilal Orfali, “Employment Opportunities in Literature in Tenth-Century Islamic Courts,” in Studying the Near and Middle East at the Institute for Advanced Study, Princeton, 1935-2018, ed. Sabine Schmidtke (Piscataway, NJ: Gorgias Press, 2018), 243-250.

[12] المتنبّي، ديوان المتنبّي بشرح أبي البقاء العكبريّ، تحقيق مصطفى السقّا وآخرين (القاهرة: البابي الحلبيّ، 1936)، 233:4-239. وقد ذكرته غروندلر في مقالها “al-Ḥanīn ilā l-Awtān and its Alternatives in Classical Arabic Literature” ص 20. وللاطّلاع على المزيد من الأمثلة في رفض الوطن انظر الصفحة نفسها من مقال غروندلر.

[13] المتنبّي، ديوان المتنبّي بشرح أبي البقاء العكبريّ، 42:2-43.

[14] المتنبّي، المصدر نفسه، 251:4.

[15] أبو منصور الثعالبيّ، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد (القاهرة: المكتبة التجاريّة، 1956)، 147:4.

[16] الثعالبيّ، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، 147:4.

[17] إقتبسه فارن وترجمه. أنظر:          Raymon Farrin, Abundance from the desert: classical Arabic poetry (Syracuse NY: Syracuse University Press, 2011), 216.

[18] بدر الدين الغزّيّ، رحلة بدر الدين الغزّيّ إلى اسطنبول، تحقيق عبد الرحيم أبو حسين وطارق أبو حسين (اسطنبول: غرفة تجارة اسطنبول، د.ت.)، 30.

[19] الغزّيّ، رحلة بدر الدين الغزّيّ إلى اسطنبول، 40.

[20] إبن عبد ربّه، العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين وآخرين (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1962)، 449:6.

[21] الثعالبيّ، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، 70:4.

[22] المصدر نفسه، 70:4.

[23] المصدر نفسه، 71:4.

[24] المصدر نفسه، 71:4.

[25] المصدر نفسه، 71:4.

[26] الثعالبيّ، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر ، 71:4.

[27] الصفديّ، الوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى (بيروت: دار إحياء التراث العربيّ، 2000)، 115:4. أنظر أيضًا: إبن سعيد المغربيّ، المُغرِب في حلى المَغرب، تحقيق شوقي ضيف (القاهرة: دار المعارف، 1964)، 306.

[28] أنظر:

Dorothy Baker, Mythic Masks in Self-Reflexive Poetry: A Study of Pan and Orpheus (Chapel Hill: University of North Carolina Press, 1986), 3; René Wellek, Discriminations: Further Concepts of Criticism (New Haven CT: Yale University Press, 1971), 261-3.

[29] Matthew Arnold, Selected Letters of Matthew Arnold, eds. Clinton Machann and Forrest Burt (London: Macmillan, 1993), 52.

يقول: "أفكّر أيضًا - إذ لا شيء أفعله سوى التفكير أكثر فأكثر- على الرغم من الهراءات التي يتفوّه الناس بها، بمدى عدم شاعريّة العصر وناسه. هو ليس عصرًا يفتقر إلى العمق والعظمة والحركة، إنّما هو عصر غير شاعريّ."

[30] من الجدير بالذكر أنّ الحركات الحداثويّة في الشعر العربيّ، في القرنَين العشرين (حركة الشعر الحرّ) والتاسع (مشروع الشعر العبّاسيّ المُحدث)، هي ظواهر مدينيّة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ومترسِّخة في المراكز المدينيّة: بيروت في القرن العشرين وبغداد في القرن التاسع. للتوسّع في الحساسيّة المدينيّة للشاعر العبّاسيّ المحدث انظر: شوقي ضيف، العصر العبّاسيّ الأوّل (مصر: دار المعارف، د.ت.(، 9-88؛ وفصل “L’attriance baghdadienne” من كتاب Poétique arabe لبن شيخ، 19-24. وللتوسّع في مركزيّة مدينة بيروت في الحركة الحداثويّة في الشعر العربيّ في القرن العشرين، انظر مثلًا:

Robyn Creswell, “Tradition and Translation: Poetic Modernism in Beirut” (PhD diss., New York University, 2013).

[31] ركّزت دراسات عديدة على أهميّة التأثير الغربيّ بالحركة الحداثويّة في الأدب العربيّ، نذكر منها:

Aida Azouqa, “Metapoetry between East and West: ‘Abd al-Wahhāb al-Bayyātī and the Western composers of Metapoetry: A study of Analogies,” Journal of Arabic Literature 39 (2008), 38-71; ‘Āṭif Faḍḍūl, The Poetics of Eliot and Adūnīs (Beirut: Al-Ḥamrā Publishers, 1992); Shmuel Mored, Modern Arabic Poetry 1800-1970: The Development of Its Forms and Themes Under the Influence of Western Literature (Leiden: E. J. Brill, 1976); Muhammad Abdel-Hai, “Shelley and the Arabs: An Essay in Comparative Literature,” Journal of Arabic Literature 3 (1972), 72-89; Nazeer El-Azma, “The Tammūzī Movement and the Influence of T. S. Eliot on Badr Shākir al-Sayyāb,” Journal of the American Oriental Society 88.4 (1968), 671-8;

محمَّد شاهين، إليوت وأثره على عبد الصبور والسيّاب (بيروت: المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، 1991).

[32] Desmond Harding, Writing the City: Urban Visions and Literary Modernism (New York NY: Routledge,  2003).

[33] William Wordsworth, Wordsworth’s Preface to “Lyrical Ballads, ed. W. J. Owen (Copenhagen: Rosenkilde and Bagger, 1957), 117.

[34]Nikki Santilli, Such rare Citings: The prose poem in English literature (Madison WI: Asssociate University Presses, 2002), 182.

[35] Ahmad Shboul, “The Arab poet and the city: Modernity and alienation,” Literature & Aesthetics 15 (2005), 61.

[36] عزّ الدين إسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر: قضاياه وظواهره )القاهرة: دار الكتاب العربيّ، 1967(، 326.

[37]  Santilli, Such rare Citings: The prose poem in English literature, 183.

[38]  Thomas Stearns Eliot, Selected Poems (London: Faber, 1954), 11.

[39] Charles Baudelaire, Paris Spleen, trans. Keith Waldrop (Middletown CT: Wesleyan University Press, 2009), 74.

[40] للتوسّع في روح هذه الحركة ومشروعها الثقافيّ انظر:

El-Azma, “The Tammūzī Movement and the Influence of T. S. Eliot on Badr Shākir al-Sayyāb.”

[41] بدر شاكر السيّاب، ديوان بدر شاكر السيّاب )بيروت: دار العودة، 1971(، 41:1.

[42] المصدر نفسه، 255.

[43] Tarif Khalidi, Anthology of Arabic Literature from Classical to Modern (Edinburg: Edinburg University Press, 2016), 117-19.

[44] Creswell, Tradition and Translation: Poetic Modernism in Beirut, 101.

 [45]خليل حاوي، ديوان خليل حاوي (بيروت: دار العودة، 1972)، 64.

[46] المصدر نفسه، 24.

 [47]المصدر نفسه، 37.

[48] المصدر نفسه، 43.

[49] المصدر نفسه، 112-113.

[50] السيّدة هي إشارة إلى جامع السيّدة زينب، ابنة بنت الرسول محمّد. ويقع الجامع والمزار في الساحة وسط مدينة القاهرة.

[51] أحمد عبد المعطي حجازي، مدينة بلا قلب (بيروت: دار الأدب، 1959)، 118.

[52] حجازي، مدينة بلا قلب، 231-232.

[53] أدونيس، أغاني مهيار الدمشقيّ (بيروت: منشورات مواقف، 1970)، 193.

[54] حاوي، ديوان خليل حاوي، 23-25.

[55]James Joyce, Ulysses, ed. Jeri Johnson (New York NY: Oxford University Press, 1993), 157.

 [56]محمّد الماغوط، غرفة بملايين الجدران (دمشق: المطبعة القوميّة، 1964)، 56.

[57] محمّد الماغوط، حزن في ضوء القمر (بيروت: دار مجلّة شعر، 1959)، 30.

[58] الماغوط، غرفة بملايين الجدران، 56-63.

تحميل بصيغة PDF

تعليقات 0 تعليق

الأكثر قراءة

الذات والعهد ولبنان

دولة لبنان الكبير 1920 – 2021

الوجه المفقود للمسيحيّين في سورية

الأطفال وصعوبات التعلُّم.

شفاء القلب.

الطاقة الخلّاقة للمعاناة

إختر الحياة

لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟

من الصدق إلى الحقيقة

حبّ مُتفانٍ لأرض مُهملة

فنُّ العيش بتناغم

لماذا أخشى أن أحبّ؟

سائحة

ثق فتتجدّد

السعادة تنبع من الداخل

رحلة في فصول الحياة

القرار - إتّباع المسيح في حياتنا اليوميّة

أسرار الناصِرة

العائلة بين الأصالة والحرّيّة

نحو حياة أفضل (5)

الأيادي الضارعة

موعد مع يسوع المسيح

شبيبة متمرّدة

من يهديني؟

لا أؤمن بهذا الإله

اليقظة

حبّ بلا شروط

في بداية الحياة فرح ورجاء

الشعور بالرضا

في سبيل لاهوت مسيحيّ للأديان

دليلُكَ لفهم الأيقونات.

على درب الجلجلة

المنجد

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

الكتاب المقدس - ترجمة جديدة (حجم وسط)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)