تمثال المسيح الفادي في ريو دي جانيرو مضاء بمشهد طبيب في ظلّ فيروس كورونا

لوريم ايبسوم هو نموذج افتراضي يوضع في التصاميم لتعرض على العميل ليتصور طريقه وضع النصوص ؟

author_article_image

الأب ديفيد نويهاوس اليسوعيّ

كيف نفسّر الغضب الإلهيّ في الكتاب المقدّس؟ مقاربة في زمن وباء الكورونا

مقدّمة

إنّه تمرينٌ شائك آخر لمحبّي الدراسات الكتابيّة ومطالعتها عندما يتصفّحون شبكة الإنترنت ويجدون أنّ بعضهم يتباهى باقتطاع بعض الآيات من سياقها الكتابيّ وإلصاقها بواقعنا المعاصر. فهؤلاء أشبه بـ«أنبياء الموت والخراب» يُعلنون أنّ جائحة كوڤيد-١٩ أو ما يُعرف باسم ڤيروس الكورونا المستجدّ، ما هو إلّا عبارة عن غضب الله وعقابه عالمًا يغوص في خطيئته.

يستعمل هؤلاء الأنبياء الكتاب المقدّس مِدَقًّا، فهُم يقتبسون الآيات في مواجهة أيّ أمرٍ من شأنه أن يحرّك حساسيّتهم المفرطة، فيدكّون حصون البشريّة النازفة والمرهقة. ونستطيع أن نستشفّ غبطتهم عندما يقتبسون آيات تتكلّم على اللعنات والكوارث، يرسلها إلهٌ غاضبٌ إلى عالمٍ يستحقّ بل يحتاج إلى العِقاب.

يُضاف إلى الأنبياء المأسَويّين شلّةٌ من المتشدّدين أخلاقيًّا «سبق أن نبّهناكم»، فهم أيضًا يتسابقون في البحث في الكتاب المقدّس كي يعظوا العالم أو كي يقتنعوا أقلّه بصوابيّة حكمهم، وأنّ طرحهم الأخلاقيّ هو وصفة لعالمٍ أفضل.

إنّ مجموعتَيْ الأنبياء الكَذَبة والمتشدّدين الأخلاقيّين يأكّدان على نحوٍ مفزِعٍ أنّ جائحة الكورونا هي استجابة إلهيّة مناسبة لِما يستحقّه العالم اليوم. لكن، ألم يقل الكتاب المقدّس هذا حقًّا؟

١. داود الّذي جلب البلاء لشعبه

عندما أتصفّح النصوص الكتابيّة، أستطيع أن أحدّد بعض النصوص الأشدّ إشكاليّةً، ويبدو أنّها تنطبق بوجهٍ مناسب للغاية على زمن الوباء الّذي نعيشه اليوم. وأشدّ الروايات عنفًا نجدها في سفر صموئيل الثاني، وهي عبارة عن ملحق لقصّة الملك داود. يفتتح الفصل بكلمات تدعو إلى الشؤم: «وعادَ غَضَبُ الرَّبِّ فٱحتَدَمَ على إِسْرائيل»[1]. وإن لم يكن ذلك كافيًا، فالله يحرّض داود على ذلك ويقول: «اذهَبْ فأَحصِ إِسْرائيلَ ويَهوذا»[2].

تصدم هذه الآية مدوِّن سفرَي الأخبار، وقد أعاد كتابة هذه الرواية بعد قرنين أو ثلاثة، ويقترح أنّ المبادرة بأكملها أتت من عند الشيطان لا من عند الله: «ونَهَضَ الشَّيطانُ على إِسْرائيل، فحَرَّضَ داوُدَ على إِحصاءِ إِسْرائيل»[3]. إذ يأمر داود بإجراء الإحصاء بالرغم من مقاومة رئيس الأركان يوآب. فمشكلة هذا الإحصاء أنّ الشريعة أمرت به في سبيل جمع التبرّعات للهيكل[4].

لا بدّ من أنّ إحصاء الشعب الّذي بات يعدّ عديدًا هائلًا، ينمّ على فعل شكران، وتقدير لله الّذي أتمّ وَعَدَ الآباء. لكنّ داود لم يقمْ بهذا الأمر على ذلك النحو، فعُدَّ الإحصاء رغبةً منه في شغل مكان الله، وأنّه مصدر قوّة الشعب، وهذا ميلٌ أظهره في رغبته في بناء هيكل لم يَدعُ إليه الله[5]، واغتصابه بتشابع وقتله زوجها[6].

بالرغم من أنّ داود عبّر عن ندمه بعد اتمامه الإحصاء[7]، فرض الله ثمنًا باهظًا. فخيّر الله داود بين ثلاث سنوات من المجاعة، أو ثلاثة أشهر من الهروب في إثر الأعداء، أو ثلاثة أيّام يضرب الطاعون في أرض داود. فاختار الملك الخيار الأخير، فمات حوالى سبعين ألفًا[8]. ولم يتوقّف ملاك الربّ عن ضربته إلّا حين وصل إلى أورشليم[9].

٢. البلاء دعوة إلى الاعتراف بالمسؤوليّة الشخصيّة

يبدو أنّ عزوف الله عن إتمام ضربته كان نتيجة اعتراف داود بمسؤوليّته الشخصيّة عن تلك الخطيئة: «أَنا الَّذي خَطِئتُ وأَنا الَّذي فَعَلتُ السُّوء...»[10].

إذًا، نجد هنا تلازم الخطيئة والغضب، الهجوم والعواقب المروّعة. وإنَّ أنبياء الخراب، في اقتطاعهم الآيات من سياقها الروائيّ واللاهوتيّ، يطبّقونها على أزمتنا الحاليّة (وقبلها على الفيضانات، والإعصارات، والبراكين، والتسونامي، والإيدز، إلخ) ويجعلونها علامات الغضب الإلهيّ، كما وُصِفت في الكتاب المقدّس. لكن، من المهمّ الدلالة إلى أنّ هذا النوع من القراءة إشكاليّ، فهو يتجاهل السياق، ونيّة الرسالة اللاهوتيّة المبثوثة في النصّ. فترِد رواية الإحصاء ضمن قصّة طويلة تبدأ مع دخول أرض الميعاد في سفر يشوع بن نون وتتابع أحداثها بلا هوادة إلى حين دمار أورشليم وهيكلها في نهاية سفر الملوك الثاني.

إنّ هذه الملحمة الطويلة هي ثمرة ما يُطلق عليه مفسّرو الكتاب المقدّس «تقليد تثنية الاشتراع» وهو مدوّن في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، متأمّلًا دمار هيكل سليمان وأورشليم وما تبعه من سبيٍ إلى بابل. إذ دوّنت هذه الرواية بأكملها في سياق الدمار، خسران كلّ شيء. وآخر ما يمكن أن تقترحه هذه الرواية هو الخطاب الأخلاقي الّذي يلوم وينتحب. على العكس، نجد أنّ نيّة الكاتب هي تعليم الشعب أن يعترف بخطيئته ويتحمّل مسؤوليّته الشخصيّة في عالمٍ آخذ في الانحراف عن مقصده الأوّل. لعلّ مَنْ يستخدم هذا النصّ ليتعجرف ويتّهم الآخرين أساء فهم التعليم الكتابيّ، ويُنصح بأن يُعيد قراءته ثانيةً، ويتعلّم أن يُقرّ بظلمته الشخصيّة (حتّى تعجرفه ولهجته الاتّهاميّة).

٣. دعوةٌ إلى شكر الله على نِعَمه، والبطولة في الإيمان

بالطبع، لا تنتهي الرواية الكتابيّة هنا، ففي القانون المسيحيّ للكتاب المقدّس، يُعاد سرد القصّة في سفرَي الأخبار (وتتصاعد الملحمة إلى ما بعد السبي، وإعادة بناء أورشليم والهيكل في سفرَي عزرا ونحميا). وبالرغم من إعادة رواية القصّة في جوهرها، لم يكن مدوّن القرن الرابع قبل الميلاد مهتمًّا بالتعليم عن التوبة في ذلك الوقت. فقد تمّ حَبْك الرواية لغاية مختلفة: تعليم عن أهمّيّة شكر الله على نعمته وعطاياه، إذ إنّ الله لم يسمح للموت، والدمار، والسبي أن تكون الكلمة الأخيرة. بالعكس، فإنّ العظام اليابسة قد كساها اللحم الحيّ في قيامة عجائبيّة[11]، وقد وُهِب الشعب فرصة جديدة للعيش بطريقة سليمة.

ثمّ، في قانون الكتاب المقدّس الكاثوليكيّ، ثمّة سلسلة ثالثة من كتب التاريخ، من سفر طوبيّا إلى سفر المكابيّين الثاني، تُخبِر القصّة ذاتها مرّة أُخرى. بعد التركيز على الندم، والشكران، تقدّم السلسلة الثالثة أبطال الإيمان، طوبيّا، ويهوديت، وأستير، والمكابيّين، وشهداء المكابيّين. فهُم يقدّمون إلينا القدوة في العيش بين الله المحبّ والبشريّة الصالحة.

٤. هل تختلف رسالة البلاء في «العهد الجديد»؟

من الجدير ذكره أنّ التحدّي الّذي تطرحه رواية إحصاء داود والإشكاليّة الّتي تنتهجها، ليست محدودة بالعهد القديم. فسفر رؤيا يوحنّا يستخدم صورة الضربات كي يعلّم قارئ الكتاب المقدّس. ففي الفصل السادس عشر، نجد سلسلةً من الضربات الّتي تذكّرنا بنظيراتها الّتي حصلت في مِصر[12] وضربت شعبًا خاطئًا.

إذ يأمر صوتٌ إلهيّ سبعة ملائكة: «اذهَبوا فصُبُّوا أَكْوابَ سُخطِ اللهِ السَّبعَةَ على الأَرض»[13]. فتضرب سبع نكبات الأرض، القروح، وينقلب البحرُ دمًا، والأنهار والينابيع كذلك، ولهيب حارق، وظُلمة، وجفاف نهر الفرات، وحبّات البَرَد الكبيرة.[14]

هذه مجرّد خلاصة لرواية المصائب المفصّلة في هذا الفصل. مجدّدًا، يبدو للوهلة الأولى أنّ هذا المشهد وصفٌ لعقابٍ إلهيّ يُضرب به العالم الجاحِد. ويكوّن هذا الفصل تجميعَ صور تُستعمل لجلد بشريّة يجد فيها أنبياء الخراب أنفسهم بعزلةٍ عنها. لكن، أحقًّا هذا ما قصد النصّ قوله لعالمنا المعاصر: المعاناة في خضمّ هذا الوباء؟

يفقد النصّ معناه الأصليّ عندما نقتطعه عن سياقه الأوّليّ. إنّ سفر الرؤيا، كما نبوءات العهد القديم ورؤياه، تتكوّن من ثلاثة عناصر متشابكة: التمييز، ووضوح الرؤية، والتجاوب معها. يميّز سفر الرؤيا الأزمنة، الماضي والحاضر، ويحدّد أُطر قوى هذا العالم بوضوح، وتبعات الوقوف إلى جانب الله. يعرض علينا السفر رؤيةً مبنيّة على عمق الإيمان. سينتصرُ المسيح على الشرّ نهائيًّا حتّى وإن بدا الصراع طويلًا.

٥. رسالة البلاء في عالمنا اليوم «عكس التيّار»

أخيرًا، يسألنا السِفر أن نتجاوب معه. ولا يكون هذا التجاوب على شاكلة نبوءات متشائمة تحذّر من الدمار. بالعكس، فكلّ شيء يعتمد على كيفيّة تغيير المؤمنين حياتهم في ضوء معرفتهم أنّ المسيح هو المنتصر في نهاية المطاف. فعلى المؤمنين أن ينشطوا في حمل الشهادة ويساعدوا بهمّة في تحويل هذا العالم، بدل العزوف جانبًا وإطلاق الأحكام عندما يغلب عليهم الضجر. يأتي سِفر الرؤيا، في نهاية قانون الكتب المقدّسة، ويدعونا إلى إيمانٍ أعمق، واهتداء أمتن، وشوق أشدّ إلى ملكوت الله.

في زمننا الحاضر، يذكّرنا سِفر الرؤيا بأنّ الكنيسة مدعوّة إلى أن تسلك عكس الثقافة الشائعة، فلا تؤيّد ثقافة الخوف، والاتّهام، والانغلاق، والعزلة. فعندما تنقّيّ الكنيسة مخيّلتها باستمرار، عليها أن تحافظ على مسافة معيّنة من قوى العالم الّتي لم تنفتح على المسيح بعد. لا يعني هذا معاداة العالم بشراسة، بل تحدّيه كي يخطوَ خطوةً أبعد (وبعدها أُخرى) نحو اهتدائه، وذلك بالحوار والتحلّي بالقيم الّتي تُبقينا أمينين لرسالة الإنجيل.

يرسم العالم نظرةً مستقبليّة مبنيّة على الخوف، والحدود المغلقة بإحكام، والجشع، في حين يعرض علينا سِفر الرؤيا نظرة مغايرة مبنيّة على الإيمان بالخبر السارّ الذي أطلقه يسوع المنتَصِر. إنّ المشاركة الفاعلة في تحقيق ملكوت الله يؤكّدها الجهاد من أجل الثبات في رؤية المسيح المبنيّة على الرجاء، والإلحاح على نشر الإنجيل (الخبر السارّ) الذي يبشِّر بأنّ المسيح انتصر على الموت بموته وقيامته.

إنّ تنقية الذاكرة المستمرّة وتعزيز المخيّلة النبويّة ضروريّتان كي لا نسقط في أنماط تُميت إدراكنا بمكاننا الآن، وإلى أين نتوجّه، وأين هو الله، وماذا يطلب إلينا في اللحظة الحاضرة. إنّ هذه المشاركة الفاعلة، علاوة على كلّ شيء، هي حضور الله في عالمٍ يجهد عادةً في استبعاد الله منه. يدلّ رجاؤنا وإيماننا ومحبّتنا على حضور الله في العالم، ويبشّر باللّه الآب، والملك، والمخلِّص. إذ يُدعى أتباع يسوع إلى الإشعاع، عندما تبدو الأمور مظلمة، تأكيدًا أنّ عصر الظلمة محدود، وأنّ الله آتٍ، وعندما يأتي الله سيفتقد أولئك الّذين ثبتوا في إيمانهم. هذه دعوتنا وصلاتنا. هذا ما يقودنا إلى أنّ قراءتنا كلمة الله في الكتاب المقدّس يجب أن تُفضي إلى بشارةٍ في العالم زمن الكوارث، وليس إلى تبجُّح بأحكامٍ أخلاقيّة، أو نبوءاتٍ متشائمة ومتعجرفة!

٦. كيف نكون أنبياءَ حقيقيّين في عصر البلاء؟

آمن القدّيس بولس بأنّ للأنبياء دورًا مستمرًّا في الكنيسة حتّى بعد مجيء المسيح، وأنّ الكنيسة بنفسها مدعوّة إلى أن تكون جسدًا نبويًّا، تتكلّم بكلمة الله، كلمة البشارة، في العالم. يحدّد القدّيس بولس دور الأنبياء في الكنيسة: البناء، والتشجيع، والتعزية[15]. تُؤسَّس النبوءَة على نِعمة الله، وعلى مبادرته السخيّة، وكذلك على محبّة الله ومحبّة الآخر. إنّ النبوّة موهبة روحيّة تمكّن الأنبياء من رؤية العالم من منظور الله، فيتحدّثون بكلامه، وهذا الكلام «يَبْني ويَحُثُّ ويُشَدِّد» لا من أجل التجريح، والقمع، والهجوم.

إنّ الأنبياء في الكتاب المقدّس مدعوّون إلى التكلّم في زمن المِحن. والمِحن (وتعني القضاء في أصلها الكتابيّ اليونانيّ) تعني أنّ الله وشعبه لا يتحاوران وقد انفصلا نوعًا ما. لكن، لا يقتصر دور الأنبياء على التكلّم باسم الله، بل تقدّيم الشعب إلى الله. إذ يجد النبيّ / النبيّة نفسه ممزّقًا بين كلمة الله الّتي يُعلنها، وكلمة الشعب الّتي ينقلها إلى الله.

إنّ أوّل من دُعيَ نبيًّا في الكتاب المقدّس هو إبراهيم[16]. والجديرٌ ملاحظته في قصّة إبراهيم وأبيمَالك ملك جَرار، أنَّ سبب تسمية إبراهيم نبيًّا لم يكن تبشيره بكلمة الله، بل لأنّه نقل كلمة أبيمَالك إلى الله. وأجرؤ على اقتراح أنّ الله «تعلّم» أنّ إبراهيم يرغب في تأدية دور الشفيع للبشريّة الخاطئة. فالشفاعة هي أحد أدوار النبيّ الرئيسيّة. فقبل فصلين، في قصّة سدوم وعمورة، كشف الله لإبراهيم أنّه على وشك تدمير المدينتَيْن الآثمَتْين. لم يستكِن إبراهيم لهذه الأخبار، بل عبّر بجرأة عن فزعه من مخطّط الله، فيقول: «...حاشَ لَكَ! أَدَيَّانُ الأَرضِ كُلِّها لا يَدينُ بالعَدْل؟»[17]. وبدل أن يوبّخ الله إبراهيم لموقفه، أثنى عليه.

فضلًا عمّا ذُكر، كانت دعوة إبراهيم الأولى أن يكون «بركة» في الأرض[18]. عاش النبيّ حبقوق دعوة إبراهيم النبويّة عندما تشفّع أيضًا من أجل شعبه، فقال لله: «في الغَضَبِ ٱذكُرْ الرَحمة»[19]. إنّ جوهر أن تكون مباركًا في خضمّ المعاناة، هو أن تكون منغمسًا في الشفاعة المستمرّة لأجل الشعب، وكذلك أن تبثّ ثقافة البناء، والتشجيع، والتعزية.

٧. ما الخبر السارّ في خضمّ البلاء؟

ثمّة موضوع واحد يستمرّ عبرَ الكتاب المقدّس من أوّله إلى نهايته، ألا وهو الخبر السارّ، وهو في صميم الأسفار المقدّسة. والخبر هذا مفاده أنّ الله لم يترك الشرّ والظلمة ينتصران ولن يتركهما. إنّ الإله الّذي نبشّر به نحن المسيحيّون، إله الكتاب المقدّس، يستعمل كلّ شيء من أجل أن يعود بنا إلى ملكوته. إنّ يوسف الحكيم الّذي يظهر في نهاية سِفر التكوين، يبشّر إخوته بمبدأ جوهريّ، بعد أن شعروا بالذعر مجدّدًا إثرَ موت أبيهم يعقوب، وخوفهم من ثأر يوسف، فيُعلن مجدّدًا مغفرته عن الجريمة التي ارتكبها إخوته بحقّه في الماضي، فقال لَهم يوسف: «لا تَخافوا. أَلَعَلِّي أَنا مَكانَ الله؟ أَنتُم نَوَيتُم عَلَيَّ شَرًّا، واللهُ نَوى بِه خَيرًا...»[20].

أجل، لقد حوّل الله الشرّ، الأذى الّذي سعى إليه إخوة يوسف، إلى أمرٍ صالح. فبعد أن بِيعَ يوسف عبدًا إلى مِصر، حملت تبعات هذا التصرّف الحماية لشعبه لاحقًا، إذ نجوا من المجاعة. وهذا الموضوع، هو في جوهر البشارة في العهد الجديد أيضًا. إنّ الأذى الّذي أُلحِق بيسوع، أصبح ينبوع الخلاص من أجل كلّ البشريّة. إنّ الصليب، أداة الموت، أصبح مفتاح الحياة. إنّ النبيّ الحقيقيّ مدعوّ إلى تمييز كيف أنّ هذه الإمكانيّة هي في طور العمل في ظلّ الظروف الراهنة، كالموت، والظلمة اللتين تحيطان بنا اليوم.

خاتمة

إنّ أمرًا واحدًا جليٌّ، هو أنّ كارثة كوڤيد-١٩ أطاحت الكثير من مشاريعي الشخصيّة. العزلة، وعدم إمكانيّة السفر، دفعاني إلى قراءة الكتاب المقدّس مجدّدًا. فأتت على مسمعي كلمات القدّيس بولس في رسالته الثانية إلى طيموتاوس: «فكُلُّ ما كُتِبَ هو مِن وَحيِ الله، يُفيدُ في التَّعْليمِ والتَّفْنيدِ والتَّقْويم والتَّأديبِ في البِرّ، لِيَكونَ رَجُلُ اللهِ كامِلًا مُعَدًّا لِكُلِّ عَمَلٍ صالح»[21].

حقًّا، اليوم أصلّي كي يعلّمني الكتاب المقدّس، ويقوّمني، ويؤهّلني في البِرّ، لعلّني أكون مُعدًّا للقيام بالأمور الصالحة. لأنّني أعرف: «إِنَّ كَلامَ اللهِ حَيٌّ ناجِع، أَمْضى مِن كُلِّ سَيفٍ ذي حَدَّيْن، يَنفُذُ إِلى ما بَينَ النَّفْسِ والرُّوحِ، وما بَينَ الأَوصالِ وال

 

*  راهب يسوعيّ، يدرّس الكتاب المقدّس والديانة اليهوديّة في عدّة معاهد كاثوليكيّة في الشرق الأوسط، صدر له عدّة كتب عن دار المشرق.

[1]   ٢ صم ٢٤: ١.

[2]   ٢ صم ٢٤: ١.

[3]   ١ أخ ٢١: ١.

[4]   راجع خر ٣٠: ١٢.

[5]   راجع ٢ صم ٧.

[6]   راجع ٢ صم ١٢.

[7]   ٢ صم ٢٤: ١٠.

[8]   ٢ صم ٢٤: ١٥.

[9]   ٢ صم ٢٤: ١٦.

[10] ٢ صم ٢٤: ١٧.

[11]  حز ٣٧: ١-١٤.

[12]   راجع خر ٧: ١٤–١١/ ١٠ و١٢: ٢٩-٣٤.

[13] رؤ ١٦: ١.

[14] راجع ١٦: ٢-٢١.

[15] راجع ١ قور ١٤: ١ و٣.

[16] راجع تك ٢٠: ٧.

[17] راجع تك ١٨: ٢٥.

[18] راجع تك ١٢: ٢.

[19] حب ٣: ٢.

[20] راجع تك ٥٠: ١٩-٢٠.

[21] ٢ طيم ٣: ١٦-١٧.

تحميل بصيغة PDF

تعليقات 0 تعليق

الأكثر قراءة

الذات والعهد ولبنان

دولة لبنان الكبير 1920 – 2021

الوجه المفقود للمسيحيّين في سورية

الأطفال وصعوبات التعلُّم.

شفاء القلب.

الطاقة الخلّاقة للمعاناة

إختر الحياة

لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟

من الصدق إلى الحقيقة

حبّ مُتفانٍ لأرض مُهملة

فنُّ العيش بتناغم

لماذا أخشى أن أحبّ؟

سائحة

ثق فتتجدّد

السعادة تنبع من الداخل

رحلة في فصول الحياة

القرار - إتّباع المسيح في حياتنا اليوميّة

أسرار الناصِرة

العائلة بين الأصالة والحرّيّة

نحو حياة أفضل (5)

الأيادي الضارعة

موعد مع يسوع المسيح

شبيبة متمرّدة

من يهديني؟

لا أؤمن بهذا الإله

اليقظة

حبّ بلا شروط

في بداية الحياة فرح ورجاء

الشعور بالرضا

في سبيل لاهوت مسيحيّ للأديان

دليلُكَ لفهم الأيقونات.

على درب الجلجلة

المنجد

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

الكتاب المقدس - ترجمة جديدة (حجم وسط)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)