لِم اشتدَّ عشق الإنسان لهذا العالم؟
يمكن اعتبار كتاب الهوامل الشّوامل مرآةً تعكس وجهًا من أوجه الحياة الفكريّة في بلاد المشرق في القرن الرّابع للهجرة، والّذي اعتُبر عصر الازدهار والنّهضة الفلسفيّة. وهو كتابٌ قلّ نظيره لجهة كونه مؤلَّفًا له مؤلِّفان هما سائلٌ ومُجيب، فلولا السّؤال لما كان الجواب، ولو لم يُجمعا معًا لما كان الكتاب. لا يدري الباحثُ إنْ كان قد دار في خلد السّائل أن تكون أسئلته نواةً لكتاب ستتناوله الأجيال على مرّ القرون والأعصار! لكن من المؤكّد أنَّ المجيب قد تذرّع بالأسئلة الّتي وصلته لتكون أبوابًا لكتاب يشتمل على موضوعات فلسفيّة وطبيعيّة وإنسانيّة وأخلاقيّة ودينيّة وكلاميّة. السّائل هو الأديب وصاحب المؤلّفات الموسوعيّة أبو حيّان التّوحيديّ، والمجيب وواضع الكتاب هو أبو عليّ مِسْكويه الرّجل الموسوعيّ في زمانه. وصف أبو حيّان أسئلته التي بعث بها إلى ابن مسكويه بـ«الهوامل»، أي الإبل السائمة يهملها صاحبها ويتركها، وقد يكون قصده من ذلك المسائل المتروكة الّتي أهملها النّاس ولم يكترثوا بمعرفتها، فما كان من المجيب إلّا أن وصف أجوبته بـ«الشّوامل»، الحيوانات التي تضبط الإبل الهوامل فتجمعها.
عدد الأسئلة الّتي بعث بها أبو حيّان إلى ابن مِسْكويه هو مائة وخمسة وسبعون سؤالًا تكوّن مجموع أبواب الكتاب الّتي جاءت في صورة سؤال وجواب. ومجموع الأسئلة والأجوبة قد كوّن كتابًا ضخمًا قد لا يُقبل كُثرٌ على قراءته، إلّا إذا كان لبحث أكاديميّ ومن قِبَل باحثٍ متخصّص في الأدب والفلسفة وسائر العلوم الّتي كانت رائجة في المشرق في العصور الوسطى.
قد يكون هذا هو ما حفز أستاذَيّ الأدب العربيّ القديم في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، الدكتور بلال الأرفه لي، وزميلته الدكتورة إيناس خنسه، ليختارا أربعة وثلاثين بابًا من أصل المائة والخمسة والسّبعين، فيقدّما إلى القارئ العربيّ باقةً من روضة الهوامل والشوامل. لم يلتزم الأستاذان بترتيب ابن مِسْكويه للأسئلة والأجوبة، بل وضعا ثلاثة عناوين لكلّ مجموعة من الأبواب المختارة سمّياها بـ«المحاور»، كما أنّهما قد وضعا عناوين لكلّ باب حتّى يتمكّن القارئ من معرفة موضوع كلّ باب، فإنْ لم يرغب في قراءة جميع المختارات يمكنه اختيار ما يناسب ذوقه ويلبّي حاجته الفكريّة، وذلك من خلال النّظر في فهرس العناوين في مطلع المجموعة.
يمكنكم قراءة كامل المراجعة عبر نسخة الPDF المرفقة.
* طالبة ماجستير في الجامعة الأميركيّة في بيروت.
تعليقات 0 تعليق