الإعلامُ الرَّقميّ يُبدِّل مفهومَ الصِّحافيّ المهنيّ إلى الصِّحافيّ المواطن من دون رقيب

لوريم ايبسوم هو نموذج افتراضي يوضع في التصاميم لتعرض على العميل ليتصور طريقه وضع النصوص ؟

author_article_image

الأب سليم دكّاش اليسوعيّ

من الإعلام التَّقليديّ إلى الإعلام الجديد، كيفيَّة الحفاظ على الصُّدقيّة والمهنيَّة؟

تخصّص المشرق الرّقميّة حيِّزًا واسعًا في هذا العدد الجديد لموضوع الإعلام في مختلف وجوهه ومشاكله وتطوّراته.

فكثيرًا ما توضع وسائل الإعلام التّقليديّة في مواجهة الوسائل الجديدة. إذًا، ما هي الوسائل التّقليديّة وكيف نعرِّفها؟ إنّ الوسائل التّقليديّة هي تلك الّتي كانت موجودة وفاعلة قبل بروز الشّبكة العنكوبيّة، وهذا لا يعني أنّها وهنت واختفت. فالصّحافة المطبوعة والرّاديو والتّلفزيون لازالت قويّة وفاعلة في المجتمعات المتنوّعة أكان ذلك في البلدان المتقدّمة أو النّامية. جدير بالذّكر أنّه مع اختراع الإنترنت، والمضاربة الرّقميّة  مع بداية التّسعينيّات في القرن الماضي، تطوّرت وسائل "استهلاك وانتشار المعلومات"، بحيث اتّجهت الوسائل التّقليديّة إلى التّأقّلم مع الواقع الجديد، وهضم الطّرق الرّقميّة، فأفادت منها وطوّرت نفسها بحيث بقيت وسائل تقليديّة مع ربطها بمنظومة الاستهلاك السّريع والشّموليّ والفوريّ لتوزيع الأخبار والتّعليق عليها وإيصالها إلى ملايين المشتركين بشكل واقعيّ وموضوعيّ أو بالإثارة، بحسب ما ينتظر القارئ أو المستمع أو المشاهد.

إلّا أنّ الشّبكة العنكبوتيّة والمنظومة الرّقميّة  لم تمنع الوسائل الإعلاميّة التّقليديّة من المحافظة على طريقتها الإعلاميّة، ألا وهي نشر الخبر على مستوًى واسع من الأشخاص في الوقت عينه، على أن يقوم المتلقّي باختيار ما يعنيه من الأنباء المقدّمة له. وهذه الوسائل لازالت تعتمد في المحتوى وفي الشّكل على مجموعة مهنيّة من الاختصاصيّين، وتتّكئ على شهرتها وسمعتها الّتي صنعتها مع مرور الأيّام.

أمّا الوسائل العصريّة التّكنولوجيّة، الّتي أفرزت ما نسمّيه اليوم الوسائل الإعلاميّة الاجتماعيّة وذلك ابتداء من العام 2004 مع تأسيس المنصّات الإعلاميّة المتقدّمة القائمة على المنظومة الرّقميّة، فإنّها تقوم على مبدأ التّفاعل الفوريّ والمستمرّ والشّموليّ أحيانًا، بين مختلف المتلقّين الّذين يلعبون الدّور المزدوج بأن يكونوا مرسِلين للمعلومة أو الخبر ومتلقّين له. فالّذي يصنع محتوى المنصّات الرّقميّة الإعلاميّة الاجتماعيّة هو المستخدِم بحدّ ذاته. فنستطيع أن نسمّي هذا المنطق تعاونًا بين مختلف المستخدِمين حتّى ولو كان ذلك التّعاون سلبيًّا بمعنى أنَّ المستخدمين، أو بعضهم على الأقلّ، يلجأون إلى النّقد اللّاذع وإلى الشّتيمة في مخاطبتهم الآخرين، وهذه هي قاعدة التّفاعل. ومع قيام هذه المنصّات، وللمستخدم دور بارز فيها، قام الإنترنت بثورته الدّاخليّة، بمعنى أنّ المستخدِم لم يعد ذلك المتلقّي غير الفاعل أمام صفحة الموقع الّذي يزوره بل خلّاقًا للمحتوى مع غيره من المستخدِمين، وذلك ما نسمّيه أسرة المنصّة التّفاعليّة. وبالتّالي أصبح هناك عاملان أساسيّان مختلفان عن وضعيّة الإعلام الكلاسيكيّ، من ناحية توسَّع مفهوم الصّحافيّ المهنيّ نحو الصّحافيّ المواطن الّذي ينقل الخبر والصّورة والرّأي والإثارة مع حساسيّته الباردة أو الحارّة أو الجارحة تقريبًا بلا رقيب، وصار المستخدِم الصّحافيّ المواطن هو الّذي لا يصنع الخبر فحسب بل إنّه يصنع صورتك كشخص ومؤسّسة مدرسيّة أو جامعيّة أو سياحيّة أو تجاريّة، ويبدّل فيها ويقدّمها للرأي العامّ، باسم الحريّة الّتي يتمتّع بها والقدرة الفكريّة والشّعوريّة الّتي يتحكّم فيها.

وهكذا، فإنَّ الوسائل الإعلاميّة التّقليديّة الّتي كان يُشتبه بأنّها كانت تفبرك الخبر أو تحوّره لغاية في نفس يعقوب، وبعد أن كان التّلفزيون يسبّب الإدمان على الصّورة خصوصًا عند الصّغار، وُجدت وسائل اجتماعيّة رقميّة جديدة تجاوزت التّقليديّة في انعدام الموضوعيّة أو التّقصّي للتّحقّق من صدقيّة الخبر وحتّى موضوعيّة الصّورة، بالإضافة إلى الشّطط الكبير في التّخاطب وفي تصادم الهويّات الدّينيّة والمذهبيّة والثّقافيّة. أحد كبار علماء التّواصل الكنديّ مارشال ماكلوهان (1911-1980) قال يومًا: "وسيلة الإعلام بحدّ ذاتها هي المحتوى"، وذلك صحيح لأنّ الرّأي والخبر والإعلام يصنعه النّاس بذكائهم وقلمهم ، وما الوسائل الإعلاميّة سوى الصّورة لما يُنشر وما يُكتب وما يُرى من صورة، وبالتّالي، فإنّ المحتوى هو الّذي يعطي الشّكل معناه وغايته.

من هذا المنظار، فإنّ التّركيز على استخدام وسائل الإعلام، خصوصًا الاجتماعيّة منها، تبدو مهمّة أساسيّة بغية الحفاظ على الصّدقيّة، وخصوصًا على الكرامات والاعتبارات، من دون العمل على الحدّ من حريّة الرّأي وصناعة الخبر الموضوعيّ. وللتّربية دور رائد في ذلك على مستوى المدرسة والجامعة والأسرة وفي الوسائل الإعلاميّة عبر دورها التّربويّ.




الأب سليم دكّاش اليسوعيّ: رئيس تحرير مجلّة المشرق. رئيس جامعة القدّيس يوسف. رئيس رابطة جامعات لبنان. عضو في الاتّحاد الدّوليّ للجامعات (منذ العام 2016). حائز دكتوراه في العلوم التّربويّة من جامعة ستراسبورغ - فرنسا (2011)، ودكتوراه في الآداب - الفلسفة من جامعة بانتيون - السّوربون 1 (1988). يدرّس فلسفة الدّين والحوار بين الأديان والرّوحانيّة السّريانيّة في كلّيّة العلوم الدّينيّة في الجامعة اليسوعيّة.

[email protected]

تحميل بصيغة PDF

تعليقات 0 تعليق

الأكثر قراءة

الذات والعهد ولبنان

دولة لبنان الكبير 1920 – 2021

الوجه المفقود للمسيحيّين في سورية

الأطفال وصعوبات التعلُّم.

شفاء القلب.

الطاقة الخلّاقة للمعاناة

إختر الحياة

لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟

من الصدق إلى الحقيقة

حبّ مُتفانٍ لأرض مُهملة

فنُّ العيش بتناغم

لماذا أخشى أن أحبّ؟

سائحة

ثق فتتجدّد

السعادة تنبع من الداخل

رحلة في فصول الحياة

القرار - إتّباع المسيح في حياتنا اليوميّة

أسرار الناصِرة

العائلة بين الأصالة والحرّيّة

نحو حياة أفضل (5)

الأيادي الضارعة

موعد مع يسوع المسيح

شبيبة متمرّدة

من يهديني؟

لا أؤمن بهذا الإله

اليقظة

حبّ بلا شروط

في بداية الحياة فرح ورجاء

الشعور بالرضا

في سبيل لاهوت مسيحيّ للأديان

دليلُكَ لفهم الأيقونات.

على درب الجلجلة

المنجد

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

الكتاب المقدس - ترجمة جديدة (حجم وسط)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)