نظام العولمة يُتيح خلق رأي عامّ يجافي الحقيقة

لوريم ايبسوم هو نموذج افتراضي يوضع في التصاميم لتعرض على العميل ليتصور طريقه وضع النصوص ؟

author_article_image

ميشال معيكي

الإعلام وتكوين الرّأي العامّ

عُرفَ التَّواصل ونقل المعارف والأخبار والأبجديَّات والفنون بين الشُّعوب، منذ الأزمنة وبوسائل متنوّعة.

مِن مزيَّنات ومحفورات المقابر الملكيّة الفرعونيَّة إلى رسوم المغاور (Lescaux) والكتابة على جلود الحيوانات، إلى إشعال النِّيران على قمم الجبال للإرشاد، وصولًا إلى اختراع غوتنبرغ والطِّباعة، ثمَّ التَّواصل الحاليّ العابر للحدود زمن العولمة الرَّقميَّة.

وكان لا يزال الهدف من كلِّ هذه الوسائط، نشر معلومة أو وجهة نظر تصل إلى أكبر عدد ممكن من البشر.

مع الثَّورة المعلوماتيَّة ومع انفلاش الوسائل وسهولة التَّعبير لجميع سكَّان الكوكب، أصبحت سهلةً القدرة على تجييش رأي عامّ بشأن أفكار سياسيَّة، اجتماعيَّة، ثقافيَّة، علميَّة، واقتصاديَّة، تبعًا لخبرة النَّاشر وذكاء "المعلِن" في تسويق أفكاره وإقناع الرَّأي العامّ بصوابيَّتها وتبنِّيها...


الإعلام وتكوين رأي عامّ: إيجابيَّات وسلبيَّات

الرَّأي العامّ، هو مجموعة القناعات والأفكار والقِيم الَّتي يُجمع عليها شعب أو مجتمع بالكامل أو بمجمله بتأثير من الاستفتاءات، عَبْر مؤسَّسات إحصائيَّة ومن خلال وسائل الإعلام المرئيَّة والمسموعة والمكتوبة والمدوِّنات عبر وسائل التَّواصل، إضافة إلى الأفلام السِّينمائيَّة، وآراء قادة الرَّأي في الأحزاب والتَّجمُّعات والمسؤولين. يجب التَّنويه بأهميَّة البرامج التِّلفزيونيَّة في المقابلات على تنوُّع موضوعاتها.

في إيجابيَّات الإعلام، أنَّه يتيح للجمهور المتلقِّي، إمكانيَّة الاطِّلاع على واقع الأمور، والتَّحدِّي الكبير في صدقيَّة المعلومة وشفافيَّة الخبر والموقف، وإلَّا فالسُّقوط في التَّضليل الإعلاميّ وجرِّ رأيٍ عامّ يتأثَّر بما يُقدَّم له، وإنَّه على حساب الحقيقة والواقع.


الإعلام والرَّأي العامّ في الأنظمة الدِّيمقراطيَّة والتُّوتاليتاريَّة

أتاحت الأنظمة الدِّيمقراطيَّة حرِّيَّة التَّعبير عبر جميع وسائل النَّشر والتَّواصل، وخلقت مجالًا مطلقًا للتَّأثيرات المتنوِّعة في الرَّأي العامّ – سلبًا أو إيجابًا – وكوَّنت منبرًا حرًّا لتبادل وجهات النَّظر والنِّقاشات في مداها الأوسع.

لكن هل تكفي حرِّيَّة التَّعبير لإيصال الحقيقة للرَّأي العامّ؟ أكثريَّة محطَّات التَّلفزة المحليَّة، الإقليميَّة والعالميَّة بحاجة إلى تمويل من جهاتٍ رسميَّة أو تجمُّعات سياسيَّة – اقتصاديَّة، وتصبح وسائل النَّشر، بشكلٍ أو بآخر، أسيرةَ مصالح الجهات المانحة وتنطق باسمها. وهذا تضليل وتعمية للرَّأي العامّ خطير جدًّا.

أمّا في الأنظمة التَّوتاليتاريَّة (الشُّموليَّة) حيث لا حرِّيَّة والرَّأي العامّ يشكُّله الخطاب الرَّسميّ للنِّظام السِّياسيّ السَّائد، والحزب الواحد (مثال: الصّين – كوريا الشَّماليَّة – الأنظمة العسكريَّة العربيَّة ودول أفريقيا وبعض بلدان أميركا الجنوبيَّة، أو الدُّول الدِّينيَّة: إيران – أفغانستان...) وفي هذه الحالة يتكوَّن رأيٌ عام "دُمية" بيد النِّظام القمعيّ...

"القائد - الزَّعيم"، يكوِّن مباشرةً رأيًا عامًّا

أنظمة كثيرة كوَّن زعماؤها رأيًا عامًّا مواليًا من دون نقاش أو مساءلة، وغالبًا ما تكون شعوبها في حالة جهلٍ وعمى أو مغلوبة على أمرها، وهي بحاجة إلى زعيم – قائد تصفّق له في إذعانٍ مُطبق (القطيع الأعمى).

نذكر جميعًا خطابات هتلر النَّاريَّة لتحشيد الشَّبيبة النَّازيّة، كذلك حال موسولينيّ وماوتسي تونغ وستالين، وفي مصر حيث، أدَّت جريدة "الأهرام" دور النَّاطق باسم الدَّولة، من خلال محمَّد حسنين هيكل، وصوت عبد النَّاصر على أثير إذاعة "صوت العرب" من القاهرة، وتأليب جماهير الأمَّة العربيَّة في عواصم العرب وفي السَّاحات... (مثال: استقالة عبد النَّاصر بعد هزيمة 1967 وصور الجماهير الَّتي ملأت ساحات مصر والدُّول العربيَّة، مطالِبةً بالعودة عن الاستقالة!).

حتَّى اليوم لا يزال بعض القادة يكوِّنون رأيًا عامًّا وبشكلٍ مباشر عبر وسائل التَّواصل: "زعيم كوريا الشَّماليَّة – پوتين – تغريدات ترامپ عبر تويتر الَّتي دفعت أنصاره إلى احتلال مبنى الكونغرس، والأمثلة كثيرة! وهذا الرَّأي العامّ غالبًا ما يكون في عمى عن الحقيقة!


الإعلام والرَّأي العامّ في لبنان

عَرف لبنان عبر عقودٍ حريَّةَ التَّعبير، الَّتي كفلها الدُّستور، ومورست من خلال الإعلام المكتوب وبأقلام صحافيِّين ومفكِّرين وقادة رأي، وأحيانًا كثيرة على تعارضٍ مع توجُّهات السُّلطة، وتعرَّض الكتَّاب للقتل والاعتقال، (نسيب المتني – كامل مروّة – رياض طه – سليم اللَّوزي...).

كما تدخَّلت الرِّقابة لحذف مقالاتٍ صحافيَّة وأوقف المجلس الوطنيّ للإعلام المرئيّ والمسموع بعض البرامج السِّياسيَّة المناوئة للسُّلطة!!!

حاليًا، يمكن الجزم بأنَّ لا حقيقة وكنية مطلقة، وقد تحوَّل الإعلام إلى إعلان سياسيّ. صارت أكثريَّة محطَّات التّلفزيون، وبخاصَّة مقدِّمات نشرات الأخبار، أبواقًا سياسيَّة تمجِّد رئيس الحزب والقائد، وتروِّج لمواقف أو خطط وتوجُّهات، تخدم مصالح شخصيِّات سياسيِّة – اقتصاديَّة، وتحشد رأيًا عامًّا داعمًا لها.

خلاصة: تحدِّيات الحرِّيَّة

لا حرِّيَّة بالمطلق ولا حقيقة قاطعة! في لبنان وفي سائر الدُّول وعلى تفاوت درجات الوعي، فالادِّعاء بأنَّ الدِّيمقراطيَّة تؤمِّن الحرِّيَّات، هو مسألة نسبيَّة، فنظام العولمة الَّذي نعيش في فضائه، يسمح بالتَّلاعب بالحقيقة، ويتيح خلق رأي عامّ، محليّ، إقليميّ، وعالميّ يجافي الحقيقة ويؤمِّن مصالح دول كبرى وصغرى وشركات عملاقة عابرة للحدود...

أمّا حلقات الانتليجنسيا الأقلّويّة، في المجتمعات كافّة، فتدرك الحقائق ولا تملك القدرة على تكوين رأي عامّ لنشرها.

رأيٌ عامّ: نعم، لكنَّه نسبيّ وظرفيّ!




ميشال معيكي: إعلاميّ مخضرم، وكاتب وفنَّان تشكيليّ. أستاذ في جامعة القدِّيس يوسف.عمل مستشارًا لوزراء ثقافة متعاقبين في لبنان. له العشرات من المقالات والبرامج التّلفزيونيَّة والإذاعيَّة.

تحميل بصيغة PDF

تعليقات 0 تعليق

الأكثر قراءة

الذات والعهد ولبنان

دولة لبنان الكبير 1920 – 2021

الوجه المفقود للمسيحيّين في سورية

الأطفال وصعوبات التعلُّم.

شفاء القلب.

الطاقة الخلّاقة للمعاناة

إختر الحياة

لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟

من الصدق إلى الحقيقة

حبّ مُتفانٍ لأرض مُهملة

فنُّ العيش بتناغم

لماذا أخشى أن أحبّ؟

سائحة

ثق فتتجدّد

السعادة تنبع من الداخل

رحلة في فصول الحياة

القرار - إتّباع المسيح في حياتنا اليوميّة

أسرار الناصِرة

العائلة بين الأصالة والحرّيّة

نحو حياة أفضل (5)

الأيادي الضارعة

موعد مع يسوع المسيح

شبيبة متمرّدة

من يهديني؟

لا أؤمن بهذا الإله

اليقظة

حبّ بلا شروط

في بداية الحياة فرح ورجاء

الشعور بالرضا

في سبيل لاهوت مسيحيّ للأديان

دليلُكَ لفهم الأيقونات.

على درب الجلجلة

المنجد

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

الكتاب المقدس - ترجمة جديدة (حجم وسط)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

العهد الجديد - الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)