لوريم ايبسوم هو نموذج افتراضي يوضع في التصاميم لتعرض على العميل ليتصور طريقه وضع النصوص ؟

author_article_image

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ

حسام سليمان - جلجثة الفلاسفة

هذا الكتاب هو باكورة سلسلة جديدة بدأتها دار المشرق بعنوان: "أقلام جديدة"، والعنوان يعبّر بوضوحٍ عن الكتب الّتي ستصدر في هذه السّلسلة. لن تكون مؤلّفات باحثين، ولا محترفين، بل أشخاص هواة، يتمتّعون بفطرةٍ تؤهّلهم ليكونوا كتّابًا، ودار المشرق تسهّل لهم الخطوة الأولى في هذا الطّريق، من خلال تبنّيها لما يكتبونه، تدريبهم على فنون الكتابة، ونشر أوّل أعمالهم.

الكتاب رواية أبطالها الأساسيّون ثلاثة فلاسفة اختارهم الكاتب عن قصد. الأوّل، سورين كيركيغارد، فيلسوف مؤمن، والثّاني، جان بول سارتر، فيلسوف وجوديّ، والثّالث، مركيز دو ساد، روائيّ وفيلسوف عبثيّ. الثّلاثة عاشوا في أوقاتٍ مختلفة، وفي أماكن مختلفة، والرّواية تجمعهم في مكانٍ واحدٍ وزمنٍ واحدٍ ليشهدوا وليعلّقوا على حدثٍ خلق انعطافًا في تاريخ البشريّة.

الرّواية تسعة فصول، تنقسم إلى دفّتين: الأوّلى ثلاثة فصول، والثّانية خمسة، والفصل الرّابع هو بمثابة مفصلٍ يربط الدّفّتين لتشكّلا وحدة روائيّة.

في الفصول الثّلاثة الأولى، وبطريقة روائيّة انتخابيّة، نجد تقديمًا لكلٍّ من هؤلاء الفلاسفة المختارين يساعد القارئ غير المطّلع على تكوين صورةٍ ذهنيّة معيّنة. التّقديم يسلّط الضّوء على حدثٍ، أو مرحلة من حياة الفيلسوف تفسّر منطقه ومواقفه ونظرته. وفي نهاية كلّ فصل، تظهر دوّامة زمنيّة، وتخطف الفيلسوف من المكان الّذي يعيش فيه ولا ندري إلى أين.

في الفصل الرّابع: "سرّ دوّامة الزّمن" (ص. 61) تقديم للدوّامة الزّمنيّة يحوي عرضًا فلسفيًّا مبسّطًا لمسألة الزّمن، ثمّ يخبرنا الرّوائيّ أنّ الدوّامة دارت بعكس عقارب السّاعة، أي تراجعت في الزّمن، ولفظت الفلاسفة الثّلاثة في السّنة 33 للميلاد، في مدينة القدس، وتحديدًا، يوم الجمعة السّابق لعيد الفصح. يتعرّف الفلاسفة الواحد إلى الآخر، ثمّ تجري أحداث الرّواية تمهيدًا لانخراط الفلاسفة في حياة أورشليم اليوميّة، ومتابعتهم حدثًا جللًا يجري في ذلك النّهار: محاكمة يسوع المسيح وصلبه.

الفصول الأربعة التّالية تعجّ بالأحداث والحوارات واللّقاءات. كلّها تقريبًا تجري في ما يسمّى درب الصّليب، وتنتهي عند الجلجثة (الجلجلة) حيث يُصلَبُ يسوع. عناوين الفصول تشير إلى مضمون الحوارات، سواء بين الفلاسفة أو مع شخصيّاتٍ كتابيّة يلتقونها: ماهيّتنا (الفصل الخامس)؛ حرّيّتنا وإيماننا (الفصل السّادس)؛ الخلاص والخطيئة (الفصل السّابع)؛ الانتصار على الله (الفصل الثّامن). في هذه الحوارات، لا يتردّد الكاتب في طرح أفكارٍ فلسفيّة متنوّعة تُبرِزُ الإشكاليّات المطروحة. مثال:

"نكران الجميل، عالم مبعثر، يجهل رغباته ولا يشبعه شيء، جاحد للنّعمة والخير. إنّ الخلاص يتمّ بأن يكتشف الإنسان ذاته الحقيقيّة وجوهره، لكيلا يتأرجح بين الفضائل والرّذائل، بل يختار الخير الّذي تميل إليه طبيعته الدّاخليّة، ويتخلّص من اغتراب نفسه وميوله السّطحيّة الشّرّيرة. يُعتقد أنّ المسيح رغب بأن يخلّص الإنسان من اغترابه، لأنّ الخطيئة بنَت بين الإنسان وأعماقه سورًا شاهقًا. فأصبح غير قادر على عيش الوحدة مع ذاته" (ص. 135).

يلتقي الفلاسفة، في هذه الفصول، بشخصيّاتٍ كتابيّة يُبرِزُ الكاتب من خلالها المفارقة في التّفكير والإيمان بين القرن الأوّل وعصر الأنوار والعصر الحديث. من هذه الشّخصيّات: برأبّاس الّذي أُطلِقَ سراحه بدل يسوع؛ أعمى أريحا، الّذي شفاه يسوع فترك التّسوّل وصار يعمل في التّجارة؛ فيرونيكا الّتي مسحت وجه يسوع بمنديلها...

الفصل الأخير يكرّر جدل مسألة القيامة: "لم يكن القبرُ فارغًا بل مغلَقًا". فيه يُدخِلُ الكاتب قارئه في توتّر انتظار النّهاية من أجل حسم الموضوع. الفلاسفة يريدون العودة إلى أزمنتهم، وواحد منهم يريد، قبل العودة، أن يتثبّت من صحّة إيمانه المتوارَث، أي القيامة. فهل تمكّن من ذلك؟

الرّواية ممتعة. لغتها سلسة، وأسلوبها شيّق يجعل القارئ ينشَدّ لمعرفة ما يجري، ويكاد لا يتمنّى التّوقّف عن القراءة حتّى النّهاية.




حسام سليمان

جلجثة الفلاسفة

ط.1، 152 ص. بيروت: دار المشرق، 2024

(978-2-7214-0005-5 ISBN)



الأب سامي حلّاق اليسوعيّ: راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف - بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.

تحميل بصيغة PDF

تعليقات 0 تعليق