مارشال روزنبرغ - التّواصل اللّاعنفيّ، لغة الحياة إشراف عامّ ريتا أيّوب

أخيرًا، صدرت طبعة عربيّة نظاميّة لكتاب التّواصل اللّاعنفيّ، بلغةٍ علميّة دقيقة، وأمانةٍ للمعاني والنّصّ الأصليّ. وهذا ما تمنّته دار Puddle Dancer Press. فإنّ فريقًا كاملًا من الاختصاصيّين أكبّ على التّرجمة العربيّة لإصدار أحد أكثر الكتب رواجًا في بداية القرن الحادي والعشرين. هو كتابٌ نُقل إلى حوالى 38 لغة، ولا تزال المطابع تُصدر منه الطّبعة تلو الأخرى حتّى فاق عدد النّسخ المطبوعة السّبعة ملايين. كتاب سبق شيوعُ مضمونه صدورَه. فالدّورات والورشات الّتي تُعطى في التّواصل اللّاعنفيّ كثيرة في جميع بلداننا العربيّة من دون استثناء.

الكاتب، مارشال روزنبرغ، عالِم نفس أميركيّ، طوّر منهجًا سمّاه التّواصل اللّاعنفيّ، وهو أسلوب لحلّ الصّراعات بين النّاس في علاقاتهم الاجتماعيّة والمهنيّة. تعتمد نظريّة روزنبرغ على أنّ العنف ينشأ بين مُرسِلٍ ومُتلَقٍّ. فإذا تدرّبنا على حسن الإرسال أو حسن التّلقّي، لا نترك للعنف فرصةً كي ينمو ويُترجَم في آخر الأمر بأفعالٍ تتراوح في تجلّياتها بين القطيعة والعنف الجسديّ.

لاحظ الكاتب أنّ الكثير من طرائق تواصلنا تحوي – أو تثير – عنفًا إراديًّا أو لاإراديًّا: الحكم على الآخرين، والتّسلّط، والتّحيّز العنصريّ، واللّوم، وتوجيه الاتّهامات، والتّفرقة، والكلام من دون إصغاء، وإصدار الأحكام في ما هو جيّد وسيّئ، وانتقاد الآخرين أو أنفسنا، والشّتائم...

من هذه الملاحظة حلّل الكاتب العبارات الّتي نقولها، والمشاعر الّتي تدفعنا إلى قول هذه العبارات بطريقةٍ دون أخرى، أو إلى استقبالها بطريقةٍ دون أخرى، فتولّد لدى المستقبِل سلامًا، أو غضبًا وبالتّالي عنفًا. في هذه العمليّة تتكامل أربعة عناصر: الوعي، واللّغة، والتّواصل، ووسائل التّأثير.

يحوي الكتاب بين دفّتيه أربعة عشر فصلًا، يقدّم فيها الكاتب شرحًا مدعومًا بقصصٍ وحكاياتٍ واقعيّة، وتأدية أدوار، وتمارين عمليّة، ليجعل القارئ يتقن فنّ الحديث والإصغاء، وليفهم منابع التّوتّر والعنف في العلاقات فيتفاداها ليعيش بطريقةٍ لاعنفيّة مع مَن يحتكّ بهم يوميًّا، سواء في البيت، أو في العمل، أو في النّادي...

على الطّريقة الأميركيّة، يبدأ الكتاب باقتباساتٍ من قرّائه وهم يمتدحونه، تليها مقدّمة للكاتب المشهور ديباك شوبرا، ثمّ مقدّمة الكاتب نفسه، مارشال روزنبرغ، يلخّص فيها جوهر ما يصبو إليه في هذا الكتاب:

«لطالما وثقتُ بطبيعتنا البشريّة الّتي تدفعُنا إلى الاستمتاع بالعطاء والتّلقّي بتراحمٍ، لكنّني لم أنفكّ أفكّرُ طيلة حياتي في سؤالَين جوهريَّين: ما الّذي يفصِلنا عن طبيعتنا الرّحيمة ويؤدّي بنا إلى تبنّي سلوك عنيف واستغلاليّ؟ وفي المقابل، ما الّذي يسمحُ لبعض الأشخاص بالحفاظِ على طبيعتهم الرّحيمة حتّى في ظلّ أصعبِ الظّروف؟

وفيما كنت أدرسُ العواملَ الّتي تؤثّرُ في قدرتنا على البقاء رَحيمين، صُدِمتُ بدور اللّغةِ الحاسم في هذا المجال، وبأهمّيّة استخدامنا الكلمات. فحدَّدتُ منذ ذلك الحين مقاربةً معيّنةً للتّواصل - كلامًا وإصغاءً على حدٍّ سواء - تُفضي بنا إلى عطاءٍ نابعٍ من القلبِ يربطنا بذواتنا أوّلًا، ويربطُ الواحدَ منّا بالآخر ثانيًا، فيسمحُ للتّراحُمِ الفطريّ فينا بأن ينمو ويتفتّح. وأطلقتُ على المقاربة اسم: "التّواصل اللّاعنفيّ" مستخدمًا مصطلح اللّاعنف بحسب تعريف غاندي له، أي العودة إلى تراحمنا الطّبيعيّ الفطريّ حين ينحسرُ العنفُ النّابعُ من قلبنا. ففيما قد لا نعتبرُ طريقةَ كلامنا "عنيفةً"، غالبًا ما تزرعُ كلماتُنا الألمَ والأذيّةَ في ذواتنا وفي نفوسِ الآخرين. ويُعرَفُ المسارُ الّذي أصفُه في بعض المجتمعات بالتّواصل المتراحم" (ص. 27-28).

الكتاب غنيّ، سلس الأسلوب تأليفًا وترجمةً، قراءته ممتعة، ننصح الجميع باقتنائه، فهو يستحقّ صفة "المرجع" في كلّ تعاملاتنا.

مارشال ب. روزنبرغ

التّواصل اللّاعنفيّ، لغة الحياة

إشراف عامّ ريتا أيّوب

ط.1، 291 ص.، بيروت: دار المشرق، 2023

(ISBN: 978-2-7214-0004-8)

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ: راهب يسوعيّ، وأستاذ في جامعة القدّيس يوسف - بيروت. له مؤلّفات وترجمات عدّة منشورة، بالإضافة إلى مقالاتٍ بحثيّة في مجلّة المشرق.