الجمال تمثيلًا للإرادة في فلسفة الجمال
1) مُقدِّمة
يُمكن الجمال أن يُلهم الإنسان ويحرِّكه، وينشِّط الحياة التي فيه، ويمنحه سلامًا. يُمكنه أن يخلق فوضًى تامَّة أو وضوحًا تامًّا، ويُمكنه أن يغيِّر القلوب والعقول، كما يُمكنه أن يسمح للإنسان باختبار الثراء الكبير الموجود في محيطه. يُمكن الجمال أن يجعل الإنسان يدخل إلى أعماقه، كما يُمكنه أن يجعل الإنسان يدخل في علاقة مع العالم الذي يعيش فيه. إنَّ إحدى الصفات المهمَّة التي تميِّز الإنسان من باقي الكائنات الحيَّة، وتُعبِّر عن الجانب الإنسانيّ فيه، هي تقديره للجمال والاستمتاع به. فالإنسان على عكس باقي الكائنات الحيَّة يتوق إلى ما يعتبره جميلًا ويبحث عنه. لذلك نرى الناس يسعَون إلى تحقيق هذا التوق بطريقة أو بأخرى؛ سواء كان ذلك من خلال التواجد في الطبيعة، أو من خلال الفنِّ بمختلف أنواعه، أو من خلال الوقوع في الحبِّ، أو أيِّ طريقة أخرى، وإلَّا لماذا يمتلك الإنسان هذه القدرة الفريدة إذا لم يكن من المفترض به استخدامها؟ فعندما يجد الجمال في شيءٍ ما ويستمتع به، فإنَّه يستفيد إلى أقصى حدٍّ من قدراته البيولوجيَّة.
ولا عجب أن نجد اختلافًا كبيرًا في مفهوم الجمال بين مجتمعٍ وآخر، بل بين شخصٍ وآخر، وعلى الرغم من أنَّ الجميع يبحثون عن الجمال ويتوقون إليه، إلَّا أنَّ مفهوم الجمال مفهومٌ مجرَّد ومعقَّد بشكل كبير، وذاتيٌّ إلى أبعد الحدود، وهو يرتبط بقِيم المجتمع. لذلك كانت مسألة الجمال واحدةً من أكثر المواضيعِ المثيرة للجدل في الفلسفة منذ آلاف السنين، فمنهم من عدَّ الجمال من بين القِيم المطلقة مع الخير والحقيقة والعدل، ومنهم من حصره بالتناسق والتناغم بين العناصر، ومنهم من رآه في الخروج عن القاعدة والمألوف، وآخرون وضعوا نظريَّة تختلف عمَّا سبق من نظريَّات.
نريد في هذا البحث أن نعالج مسألة الجمال على أنَّها تجسيد للإرادة، معتمدِين في ذلك على ما قدَّمه اثنان من أعلام الفلسفة الألمانيَّة هما شوبنهاور
[1] ونيتشه[2]. ونبدأ أوَّلًا بطرح رؤية شوبنهاور الميتافيزيقيَّة للعالم كإرادةٍ وتمثُّل، لنُبيِّن أنَّ الجمال هو تجسيد لجوهر العالم، أي الإرادة، وبالأخصِّ إرادة الحياة. ونعتمد بشكل أساسيٍّ في عرضنا فكرَ شوبنهاور على كتابه العالم إرادةً وتمثُّلًا. ثمَّ نعرض رؤية نيتشه للعالم كصراع تراجيديٍّ من خلال كتابه مولد التراجيديا، لنُظهرَ أنَّ الجمال هو تجسيد لهذه التراجيديا وهذا الصراع، ولا سيَّما إرادة القوَّة في هذا الصراع.
2) التأسيس الميتافيزيقيّ للإرادة عند شوبنهاور
تبدأ فلسفة شوبنهاور من حيث تنتهي فلسفة كانط[3]. في تصدير الطبعة الأولى لكتابه العالم إرادة وتمثُّلا يوصي شوبنهاور القرَّاء بثلاثة مطالب لفهمٍ أفضل لمحتوى الكتاب "إنَّ المطلب الثالث المُلقى على عاتق القارئ ربَّما يكون أمرًا مُسلَّمًا به، حيث إنَّه لا يقتضي شيئًا آخر سوى المعرفة بأهمِّ ظاهرة قد تجلَّت في الفلسفة منذ ألفَي سنة، وتُعدُّ قريبةً منَّا تمامًا: أعني الأعمال الرئيسة لكانط"[4]. لذلك، وجب أن نقف على أهمِّ ما جاء به كانط لفهم رؤية شوبنهاور الميتافيزيقيَّة، ذلك لأنَّ شوبنهاور أوضح أنَّ مبدأ عمله هو الانطلاق ممَّا أنجزه كانط العظيم، بحسب تعبيره. وهدفُه هو العمل على تصحيح ما اكتشف فيه من أخطاء[5].
عندما ننظر إلى العالم نميل إلى الاعتقاد أنَّنا ندركه بحواسِّنا كما هو فعلًا في ذاته. أي أنَّنا نعتقد أنَّ الواقع الذي ندركه إنَّما هو حقيقيٌّ وموضوعيّ. وأنَّ حواسَّنا تعطينا معلوماتٍ صحيحةً وموثوقة عن هذا الواقع. وما توصَّل إليه كانط هو إثبات أنَّ هذا ليس حقيقيًّا. فإدراكُنا للمحسوسات قائم على واسطة ما. وهذا معناه أنَّ صورة المحسوسات كما نتلقَّاها تصل إلينا بعدما تكون قد تشكَّلت من طريق عقولنا. والواسطة التي يستخدمها العقل ليجعل الذاتَ تدرك الموضوعات هي صورتَا المكان والزمان، والمقولات الاثنتا عشرة. وبما أنَّ الزمان والمكان ليسا من مقوِّمات الموضوعات في ذاتها، إنَّما هي معانٍ قَبْليَّة تساعد العقل على الإدراك، فالعقل يستقبل معلوماتٍ كثيرة غيرَ منتظمة وينظِّمها في إطار مكانيٍّ وزمانيّ. وبالتالي لا يمكن العقل البشريّ إدراك الموضوعات في ذاتها خارج إطار الزمان والمكان. وهذا يعني أنَّ الموضوعيَّة الكاملة مستحيلة، وبالتالي "لا يمكن أن يكون لنا معرفة بأيِّ موضوعٍ كشيءٍ في ذاته، بل من حيث هو موضوع للحدث الحسِّيّ وحسب، أي بوصفه ظاهرة"[6].
بالنسبة إلى شوبنهاور هذا هو أعظمُ ما أتى به كانط، أي أنَّه لا يوجد موضوعٌ من دون وجود ذات. ويُلزِم ذلك أنَّ معرفة الموضوعات على ما هي عليه حقيقةً في ذاتها(noumena) يُعدُّ أمرًا مستحيلًا. كما أنَّه لا يمكن المرء أن ينظر إلى حقيقة الأشياء التي ليست في عالم المادَّة. يتَّفق شوبنهاور مع كانط على عدم إمكانيَّة وجود موضوع من دون وجود ذاتٍ تستقبله. ويختلف معه على عدم إمكانيَّة بلوغ نوعٍ من الحقيقة الموضوعيَّة الميتافيزيقيَّة. ويجعل شوبنهاور السبيل لإقامة هذه المعرفة في ما يسمِّيه البابَ الضيِّق للحقيقة. ولشرح ما يعنيه بالباب الضيِّق يتطرَّق شوبنهاور إلى النظرة الثنائيَّة التي يتطلَّع بها الإنسان إلى جسده. فمن ناحية يُدرك الإنسان جسدَه على أنَّه موضوع من موضوعات هذا العالم ولا يختلف عنهم phenomena. وهو مثل كلِّ الموضوعات موجودٌ في العالم المادِّيّ ومحدودٌ بزمان ومكان، وهذا ما يسمِّيه شوبنهاور التمثُّل. ومن ناحيةٍ أخرى، يشعر الإنسان بجسده على أنَّه يملكه ويعيش فيه. فيمكنه أن يأمره إذا أراد، ويحرِّكه، ويشعر بفرحه، وآلامه، وجوعه، وعطشه. وبهذه الطريقة لا يُصبح الجسد مجرَّد موضوعٍ من بين موضوعات هذا العالم فحسب، بل يكون مُلكًا للإنسان وفريدًا، وهذا ما يسمِّيه الإرادة. وإدراكُنا للجسد على أنَّه إرادة يسمِّيه شوبنهاور البابَ الضيِّق للحقيقة، لأنَّه عندما يدرك الإنسان جسده على أنَّه إرادة وتمثُّل، يجب على الفور أن يتساءل وماذا عن باقي العالم، هل هو أيضًا إرادة وتمثُّل؟[7].
3) العالم كإرادة وتمثُّل
قد تكون الإجابة البدهيَّة البسيطة عن هذا التساؤل في أمرَين: إمَّا أنَّ جسد الإنسان هو الوحيد ضمن موجودات هذا العالم الذي يتَّصف بصفتَي التمثُّل والإرادة، أو قد تكون الإجابة الأخرى أنَّ العالم أيضًا له صفتَا التمثُّل والإرادة. يرفض شوبنهاور الإجابة الأولى، لكونها تؤسِّس لنوعٍ من الأنانيَّة الإنسانيَّة. ويؤيِّد الإجابة الثانية، فيكون الإنسان في نظره ليس موجودًا فريدًا من موجودات هذا العالم، بل هو تمثُّلٌ وإرادة، ليس لسببٍ غير أنَّ العالم بأسره هو تمثُّل وإرادة. ويبقى الفارق الوحيد أنَّ الإنسان لا يمكن أن يختبر إرادة العالم بينما يمكنه أن يختبر إرادةَ جسدِه الخاصّ. فالباب الضيِّق، الذي قصده شوبنهاور، هو أن يُدرك الإنسانُ، من خلال معرفته العميقة لإرادته الخاصَّة، وجودَ إرادةٍ تعمل في العالم. وأوَّل ما يمكن أن يُقال عن هذه الإرادة إنَّها لا تقع تحت صورتَي الزمان والمكان، كما أنَّها لا تخضع لمقولة العلِّيَّة. وذلك لأنَّ هذه التصوُّرات هي في مجال التمثُّل وليس الإرادة. وهذا يجعل عمليَّة فهمِ الإرادة فهمًا واضحًا أمرًا صعبًا، لأنَّه يصعب على الإنسان تخيُّل شيء خارجٍ عن إطار المكان والزمان[8].
إنَّ الإرادة في هذا العالم بوصفها شيئًا في ذاته noumena - وهي لا تخضع للزمان والمكان - واحدة لا يمكن أن يكون فيها كثرة. ففي مجال الإرادة - على عكس التمثُّل - لا يوجد موجودات مختلفة. وذلك لأنَّ الكثرة تحتاج إلى عنصرَي الزمان والمكان، وفي ذلك يقول شوبنهاور عن الإرادة: "إنَّها تكون خالية من كلِّ كثرة، رغم أنَّ ظواهرها في الزمان والمكان لا يُحصى عددها. إنَّها بذاتها واحدة، إلَّا أنَّها ليست واحدة بالمعنى الذي يكون فيه موضوعٌ ما موضوعًا واحدًا؛ لأنَّ وحدة موضوعٍ ما تكون معروفة فحسب على أساسِ وجودِ كثرة ممكنة في مقابلها. كذلك فإنَّ الإرادة تكون واحدة لا بالمعنى الذي يكون فيه مفهوم ما مفهومًا واحدًا؛ لأنَّ المفهوم لا ينشأ من طريق التجريد من الكثرة فحسب، بل تكون واحدة باعتبارها ذلك الذي يقع خارج الزمان والمكان، خارج مبدأ الفرديَّة principium individuationis، أي خارج إمكانيَّة الكثرة. وعندما يُصبح كلُّ هذا واضحًا لنا من خلال دراستنا للظواهر والتجلِّيات المختلفة للإرادة، عندها فحسب، يمكننا أن نفهم على نحو تامّ معنى مذهب كانط في أنَّ الزمان والمكان والعلِّيَّة لا تنتمي إلى الشيء في ذاته بل إلى صور معرفتِنا فحسب"[9].
وهنا يؤكِّد شوبنهاور أنَّ الإرادة تكمُن في كلِّ الموجودات في الكون، بدايةً من المجرَّات الكبيرة، وصولًا إلى أوراق الحشائش الصغيرة. ويورد على ذلك العديدَ من الملاحظات التجريبيَّة في الطبيعة. ويضيف شوبنهاور ملاحظة على هذه الإرادة العاملة في العالم، وهي أنَّها تجعل هذا العالم مليئًا بالمعاناة. ذلك لأنَّ الإرادة ليست مبدأً عاقلًا منظَّمًا، يستهدف غايات محدَّدة ويسير نحو تحقيقِها تبعًا لخطَّة مرسومة، بل هي أساسًا اندفاع أعمى، وقوَّة طاغية لا ضابط لها ولا نظام. أمَّا ذلك الذي نُطلق عليه اسمَ العقل أو الروح أو الذكاء فما هو إلَّا أداة في يد هذه القوَّة الغاشمة تتحكَّم فيها كما تشاء. وطالما أنَّها هي المبدأ الأساسيُّ في الكون فلا بدَّ من أن يكون التاريخ البشريّ عبارةً عن قصص معارك دمويَّة، الواحدة تلو الأخرى. وبكلماتٍ أخرى أنْ يوجد الإنسان يعني أن يعاني. وهذه الملاحظة تأتي في تناقضٍ واضح مع الملاحظة الثانية التي وضعها. والتي هي أنَّ كلَّ موجودٍ يريد أن يعيش. ويوضِّح أنَّ التكاثر والحفاظ على الحياة هي الاهتمامات الأكبر لكلِّ ما هو حيّ[10]. لذلك ففي كثير من الأحيان يتحدَّث شوبنهاور عن إرادة الحياة بدلًا من الحديث عن الإرادة فقط. ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ هذه الإرادة موجودة في كلِّ العالم الطبيعيّ، حتَّى في الصخور والأنهار، إلَّا أنَّها تظهر بوضوحٍ أكثر في الكائنات الحيَّة[11].
4) التمثُّلات تخلق المعاناة في العالم
إنَّ العالم، كما وصفه شوبنهاور، مليءٌ بالمعاناة، معاناة لا حدَّ لها ولا تنتهي. يقول لتوضيح مدى تلك المعاناة في العالم: "من أين حصل دانتي على الموادِّ لجحيمه، إنْ لم يكن من هذا العالم الفعليّ الذي نعيش فيه؟ وبالفعل صنع جحيمًا منه. من ناحيةٍ أخرى، عندما وصل إلى مهمَّة وصف السماء وسرورها، كانت أمامه صعوبة لا يمكن التغلُّب عليها، لمجرَّد أنَّ عالمنا لا يوفِّر أيَّ موادَّ على الإطلاق لأيِّ شيء من هذا النوع"[12]. والبشر في نظره مسؤولون عن جزء من هذه المعاناة بمحاولاتهم الاستمرار أكثر على قيد الحياة. وعلى الرغم من أنَّ الإرادة واحدة، كما سبق أن أشرنا، وأنَّها لا تتجزَّأ ولا يمكن أن تخضع للكثرة، وأنَّها واحدة في كلِّ الكون وفي كلِّ موجوداته، إلَّا أنَّ المعاناة موجودة في العالم بسبب كثرة تمثُّلات الإرادة. فالتمثُّلات المختلفة للإرادة تكوّن ذاتيَّات مختلفة principium individuationis تدرِك الموضوعات بطرق مختلفة، وتقسِّم وحدة الإرادة. ففي مجال الإرادة، حيث لا يوجد انقسامات ولا كثرة، لا توجد مشاكل. بينما في التمثُّلات يوجد انقسام وأضداد، وبالتالي تتولَّد المعاناة. وأمام كلِّ هذه المعاناة يتساءل الإنسان ماذا يمكن أن يفعل؟ هل هناك طريق للخلاص؟
هناك بالفعل، مع كلِّ هذا الطابع التشاؤميّ وكلِّ هذه اللامعقوليَّة التي يتَّسم بها العالم في نظر شوبنهاور، طريقٌ إلى الخلاص. وهذا الطريق له مرحلتان: مرحلة مؤقَّتة، ومرحلة نهائيَّة كاملة. والمرحلتان معًا تتميَّزان بمحاولة قمع أصلِ الشرِّ في العالم، وهو الإرادة الفرديَّة. المرحلة الثانية النهائيَّة الكاملة تتعلَّق بالأخلاق، وهذا بعيد عن موضوع الدراسة. أمَّا المرحلة الأولى المؤقَّتة فتقوم على الفنِّ والجمال[13]. وهنا يأتي دور الفنِّ في فلسفة شوبنهاور ونظريَّته عن الجمال، فالفنُّ، بالنسبة إليه، يسمح للإنسان أن ينسى المعاناة التي في العالم، ويرتقي إلى حالةٍ تتوقَّف فيها الإرادة عن السيطرة على الأمور. ففي تأمُّل الجمال - في الاستمتاع بفنٍّ ما - ينسى الإنسان نفسه بشكل مؤقَّت، وللحظاتٍ يساعد الفنُّ الإنسانَ على الخروج عن ذاته، وعن هذا العالم الذي هو جحيم[14].
5) التجربة الجماليَّة حلًّا للمعاناة في العالم
يتَّبع شوبنهاور مسار كانط الفكريّ من أجل فهم التجربة الجماليَّة على أنَّها خالية من المنفعة، أي أنَّها شكل من أشكال التجاوب مع العالم، حيث يهتمُّ المرء بشيءٍ ما ويستمتع به لذاته، وليس من أجل إشباعٍ جسديّ، أو منفعة، أو مصالح غير أخلاقيَّة. في صياغة شوبنهاور لهذه الفكرة فإنَّ التجربة الجماليَّة خالية من الإرادة الفرديَّة(will less) ، وهي تُشكِّل نوعًا فريدًا ونادرًا من غياب الإدراك الطبيعيّ اليوميّ، أي الإدراك المليء بالإرادة. وبهذا التناقض بين الإدراك الطبيعيّ وتجربة الجمال، يصف شوبنهاور المتعة بكلِّ شيءٍ جميل على أنَّها "الجانب الوحيد البريء من الحياة والأكثر بهجة"، ويصف الفنَّ عزاءً وزهرةً للحياة[15]. فالتجربة الجماليَّة بالنسبة إليه تقوم على جانبٍ ذاتيٍّ وجانبٍ موضوعيّ[16].
1-5) الجانب الذاتيّ للتجربة الجماليَّة
إنَّ الإدراك بالنسبة إلى شوبنهاور مرتبط بإرادة الشخص الفرديَّة، أي بمجهوده الذاتيّ، والطرقُ التي يعمل بها البشر معرفيًّا على إدراك عالم التمثُّل تشمل المكان والزمان والعُلِّيَّة، فضلًا عن طرق التفسير النفسيَّة والمنطقيَّة والرياضيَّة. وعلى نقيض ذلك، تتمثَّل التجربة الجماليَّة في إدراك الذات للموضوعات بطريقةٍ خالية من الإرادة الفرديَّة (will less). فمن أجلِ أن تُحقِّق الذاتُ هذا الإدراك يجب عليها أن تتوقَّف عن النظر إلى الأشياء بالطريقة العاديَّة، فتتوقَّف عن التفكير في المكان والزمان والسبب، وتفكِّر ببساطة وبشكل حصريٍّ في ماهيَّة الشيء. بعبارة أخرى، إنَّ الإدراك الخالي من الإرادة الشخصيَّة هو إدراك الأشياء لمجرَّد فهم ماهيَّتها بشكل أساسيٍّ في ذاتها ومن أجلها، ومن دون اعتبارٍ للعلاقات الفعليَّة أو المحتملة التي تمتلكها تلك الأشياء الظاهريَّة مع الذات المدرِكة. ويصف شوبنهاور الشخص الذي يعيش خبرة جماليَّة بأنَّه ذو الإدراك الخالص. إنَّه خالصٌ بمعنى أنَّ عقله لا يعمل لخدمة الإرادة الفرديَّة في أثناء التجربة الجماليَّة. وهذا على الرغم من أنَّه لا يزال متجسِّدًا، لأنَّه من دون جسدٍ وحواسّ لن يُدرِك على الإطلاق[17].
فالإنسان بطبيعته مُكوَّن من إرادةٍ وعقل، وما يحدث عندما يخرج عن ذاته بتأمُّله عملًا فنِّيًّا ما، هو أن ينسى أنَّه كائنُ إرادة، فالإرادة التي هي مصدر كلِّ معاناة وألم. وما يجعل الإنسان ينسى جانب الإرادة بداخله هو أنَّ العقل يأخذ المبادرة والقيادة. والعقل يستمتع بالفنِّ لأنَّ الفنَّ يقع في مجال العقل، فالفنُّ هو التمثُّل للمُثُل الأفلاطونيَّة. والهدف من استخدام شوبنهاور مصطلحَ المُثُل الأفلاطونيَّة هو القول إنَّ الفنَّ يحاول أن يُعيد خلق شكلٍ مثاليٍّ كاملٍ لشيء ما. فالفنَّان مثلًا، عند رسمه يدًا، يحاول أن يرسم اليد المثاليَّة، واليد المثاليَّة لا توجد في العالم المادِّيّ بل توجد بشكل مجرَّد كمُثُل. وكلَّما اقترب الفنَّان من هذه الحقيقة المجرَّدة كان عملُه الفنِّيُّ أجمل. والحقيقة أنَّه بعد الكلام المطوَّل عن النظريَّة الإبستمولوجيَّة الكانطيَّة، وعن إدراك الذات للموضوع بطريق ذاتيَّة بعيدة عن الموضوعيَّة، قد يبدو غريبًا بعضَ الشيء استخدامُ شوبنهاور لفكرة المثُل الأفلاطونيَّة، وذلك لأنَّها تجعل الشيء في ذاته معروفًا، ويمكن الذات أن تصل إليه. وهنا يجب الإشارة إلى أنَّ مفهوم المثُل الأفلاطونيَّة عند شوبنهاور يحتلُّ جانبًا كبيرًا من تأسيسه للميتافيزيقا الخاصَّة به[18].
2-5) الجانب الموضوعيّ للتجربة الجماليَّة
المثُل هي شيء كُلِّيّ كالمفاهيم، على أنَّ الفرق بينهما هو أنَّ المُثُلَ ليست وليدةَ العمل الذهنيّ لاستخلاصها من الظواهر. على عكس ذلك، فالمثُل تُدرَك بشكلٍ مباشر في التجربة الجماليَّة، وذلك عندما تتأمَّل الذاتُ في ماهيَّة الشيء. فتكون المثُل قابلةً للإدراك فحسب عندما يتوقَّف العقل بشكل مؤقَت عن العمل لخدمة الإرادة الفرديَّة. فالمثُل، بالتالي، تشكِّل مستوًى وجوديًّا ثالثًا بين الإرادة والتمثُّل. ونظرًا إلى كون المثُل تجسيدًا للإرادة يرى شوبنهاور أنَّها، من ناحيةٍ، تشترك في بعض خصائص الإرادة؛ فهي خالدة ولا تتغيَّر، وهي خصائص الإرادة بحدِّ ذاتها، ومن ناحيةٍ أخرى، بقدر ما تكون المثُل موضوعاتٍ للإدراك-من قِبَل الفنَّان أو الذات التي تختبر التجربة الجماليَّة بشكل عامّ- فإنَّ هذا يضعها بشكل مباشِر في عالم التمثُّل[19].
فالمثُل بالنسبة إليه هي إرادة لم تتمثَّل بعد، أي هي خطوة تتوسَّط الإرادة المحضة والتمثُّل. لذلك، فإنَّ العقل يبتهج عندما يتأمَّل في المثُل الأفلاطونيَّة الموجودة في عمل فنِّيٍّ جيِّد، بكلماتٍ أخرى، عندما يتأمَّل في العالم المجرَّد البعيد عن الحياة اليوميَّة. فمجال العقل يتعارض مع مجال التمثُّل، والإنسان يستمتع بالهروب من عالم التمثُّل المليء بالمعاناة ولو للحظة واحدة، ويبتهج بتأمُّل المثُل الأفلاطونيَّة للأشياء، لأنَّها تعطيه الراحة، وتساعده على أن يخرج عن ذاته. وما يحاول شوبنهاور أن يشرحه هنا، بلغة واضحة، وأن يعطيه سببًا منطقيًّا، هو حالة الإنسان عندما يشعر بأنَّه انفصل عن العالم وتماهى مع لوحة فنيَّة أو عمل فنِّيٍّ ما[20].
6) ترتيب الفنون الجميلة
يستخدم شوبنهاور نظريَّته في المثُل لبناء تسلسلٍ هرميٍّ للفنون الجميلة. بمعنى أنَّ الفنون تتفاوت فيما بينها بقدر ما تكشف عنه من مضمون معرفيٍّ بالنسبة إلى حقيقة الوجود. ففي الطرف الأدنى من هذا التسلسل يضع الفنون التي تتلخَّص وظيفتُها الأساسيَّة في تقديم تصوُّر أوضح للمثُل المتعلِّقة بالموادّ الطبيعيَّة والقوى المادِّيَّة، وذلك لأنَّ المثُل الخاصَّة بقوى الطبيعة غير العضويَّة هي أدنى درجات المثُل تعبيرًا عن الإرادة، فإنَّ الفنَّ الذي تتبدَّى فيه مِثل هذه المثُل، وهو فنُّ العمارة، هو أدنى الفنون مرتبة، لأنَّها تقدِّم تصوُّرًا أوضح لمثُل الجاذبيَّة والتماسك والصلابة والضوء. وكذلك مثُلُ الموادِّ المستخدمة، على سبيل المثال الحجر أو الخشب، في حين تقدِّم التراجيديا المثُل المعبِّرة عن صراع الإرادة الإنسانيَّة فتكون على قمَّة درجات هذا التصنيف.
إنَّ وظيفة فنِّ العمارة هو التعبير عن المثُل التي تكشف عن الصراع الذي يظهر من خلال الثقل والمقاومة، وهو في مقابل الصراع الذي يظهر في التراجيديا بين الإرادة الإنسانيَّة والكوارث التي تهدِّدها. وتستخدِم العمارة المادَّة المناسبة لهذه المثُل، لذلك تلجأ إلى الموادّ الصلبة. وقد ظهرت هذه السمات بوضوح في العمارة اليونانيَّة، بينما اختفت في العمارة القوطيَّة. وحيث إنَّ المنفعة تتغلَّب على الجانب الجماليّ في فنِّ العمارة فإنَّه بالتالي يصبح أقلَّ الفنون طواعيَّة للتأمُّل الجماليّ. ويكون في مستواه نفسِه فنُّ تنسيق مساقط المياه وفنُّ تنسيق الحدائق، لأنَّهما يعتمدان على مثَلي المادَّة السائلة والطبيعة النباتيَّة على التوالي[21].
يأتي فنُّ النحت بعد العمارة في مرتبةٍ أعلى. لأنَّ الجمال في النحت يُظهر النموذج الذي يمثِّل الخصائص النوعيَّة لطبيعة النوع من خلال الفرد. ويرى شوبنهاور أنَّ الفنَّان يستطيع أن يتوقَّع ما تسعى إليه الطبيعة في الأفراد، فيضيف بعمله ما فشلت في تحقيقه الطبيعة. وفي ذلك قدَّم الإغريق معايير الجمال في النحت كما فعلوا في العمارة. ولذلك فالنحتُ الحديث لا يتساوى مع النحت الإغريقيّ، إلَّا أنَّ التصوير أقدر على التعبير عن الملامح الشخصيَّة في الإنسان، ولذلك يمكن التصوير أن يقدِّم الأجسام الضئيلة والضعيفة والصور القبيحة، في حين لا يمكن أن يحدث هذا في النحت. فالنحت يؤكِّد إرادة الحياة، أمَّا التصوير فيمكنه أن يسلبها[22].
أمَّا فنُّ الشعر فهو أرقى من فنِّ التصوير لأنَّه يعبِّر عن المثُل بواسطة الخيال الذي يجسِّد التصوُّرات بواسطة الكلمات. ويتميَّز الشعر الغنائيّ بأنَّه تغلُب عليه ذاتيَّةُ الشاعر، في حين أنَّ الشعر الملحميَّ يكون أكثر موضوعيَّة. أمَّا الموضوعيَّة التامَّة فتظهر في الشعر الدراميّ. فالتراجيديا هي قمَّة فنِّ الشعر، وذلك لأنَّها تقدِّم صراع الإرادة مع نفسها من خلال الإرادة الإنسانيَّة. وتوقظ التراجيديا في الإنسان تلك المعرفة التي تذكِّره بأنَّ الحياة ليست جديرةً بالتمسُّك بها، وأنَّ السعادة فيها غير ممكنة. والتراجيديا الحديثة مع شكسبير وغوته أفضل من التراجيديا اليونانيَّة[23].
أمّا أرقى فنّ وأتمه،ُّ فهو فنُّ الموسيقى، وهو يحظى بمكانة خاصَّة. ويأتي هذا التفرُّد الذي تحظى به الموسيقى كونها لا تعبِّر عن أيِّ مُثُل. إنَّها فنٌّ نبيل وتأثيرها في أعماق الإنسان كبير فهي لغة عالميَّة بامتياز. تسمح الموسيقى للإنسان بأن يشارك في العالم كإرادة، تسمح للإنسان بأن يغرق تمامًا في خبرة الجمال، "لذلك فإنَّ الموسيقى ليست بأيِّ حالٍ من الأحوال مثل الفنون الأخرى، أي نسخة عن المثُل، بل هي نسخة عن الإرادة نفسها […] لهذا السبب، فإنَّ تأثير الموسيقى هو أكثر قوَّةً واختراقًا من تأثير الفنون الأخرى، لأنَّ الأخيرة تتحدَّث عن الظلِّ فحسب، ولكنَّ الموسيقى تتحدَّث عن الجوهر"[24]. هذه العلاقة الوثيقة بين الموسيقى والطبيعة الحقيقيَّة لكلِّ الأشياء، يمكن أن تُفسِّر أيضًا حقيقة أنَّه عندما تكون الموسيقى مناسِبة لأيِّ مشهدٍ أو عمل فنيّ، يبدو أنَّها تكشف عن معناه الأكثر سرِّيَّة ودقَّة وتميُّزًا. ووفقًا لذلك، يمكننا أيضًا أن نقول إنَّ العالم هو موسيقى متجسِّدة، كما أنَّه إرادة متجسِّدة، فنحن نستقبل الموسيقى من خلال الزمان فقط، وليس الزمان والمكان، وهذا ما يجعلها متقدِّمة بخطوةٍ عن باقي الفنون[25].
7) اختبار الجليل
وعلى غرار كانط، يُفرِّق شوبنهاور بين اختبار الجليل واختبار الجميل. فالجليل عنده لا يتعلَّق بالفنِّ البشريّ، بل بجمال عظمة الطبيعة. فبتأمُّل الطبيعة واختبار الجليل يمكن الإنسان أن يتعلَّم الكثير عن نفسه. ففي الشعور بالرهبة أمام مشهدِ جبلٍ شاهق، أو غروب الشمس، أو عاصفة كبيرة، يكمن اختبار الجليل. وفي تأمُّل سحر الطبيعة يشعر الإنسان بأنَّه صغيرٌ وضئيل، ويعي أكثر حقيقةَ كونه كائنًا فانيًا في مقابل الطبيعة المستمرَّة، بمعنى أنَّه عندما تنتهي حياته ويموت، ستبقى الجبالُ واقفةً والمحيطات تتلاطم أمواجُها العاتية. هذا شعور قوِّيّ جدًّا، والإنسان الذي يغرق في التأمُّل في الطبيعة يخرج عن ذاته، وبشكلٍ مؤقَّت ينسى أنَّه يسكن جسدًا ما، وينسى فرديَّته. فتكون هذه اللحظة بمثابة لحظةِ استنارة كاستنارة الزاهد أو المتصوِّف، وفي هذه اللحظة بالذات يُدرِك الشخص أنَّه والعالم واحد. فالتأمُّل في الجليل يقود إلى الحقيقة الميتافيزيقيَّة التي كان شوبنهاور يقول عنها، وهي أنَّه لا يوجد اختلاف بين الإنسان والعالم، فالكلُّ واحد، الكلُّ إرادة واحدة لها تمثُّلات مختلفة[26].
من كلِّ ما سبق يظهر بوضوح أنَّ مسألة الجمال عند شوبنهاور تتعلَّق بطبيعة العالم الميتافيزيقيَّة. وكلَّما اقترب العملُ الفنيّ من التعبير عن هذه الحقيقة الميتافيزيقيَّة كان أجمل. وخلاصةُ نظريَّتِه هي أنَّ الجمال يكمن في هذه الإرادة الكلِّيَّة للكون التي توحِّد كلَّ شيء، وأنَّ اختبار الجمال يحدث عندما يخرج الإنسان من حيِّز إرادته الفرديَّة، ليتَّحد بإرادة العالم، فيدرك أنَّ العالم كلَّه له طبيعة واحدة هي الإرادة، وهذه الطبيعة لها تمثُّلات كثيرة، وهذا الخروج عن الذات يقوم بقمع الإرادة الفرديَّة التي هي أصل الشرور في العالم. إلَّا أنَّ شوبنهاور لم يكن الوحيد الذي رأى الجمال في الإرادة، فنيتشه أيضًا جعل الجمال في التعبير عن الإرادة الموجودة في العالم. وإذا كانت الإرادة عند شوبنهاور هي إرادة الحياة، فالإرادة عند نيتشه هي إرادة القوَّة.
8) أهمِّيَّة الفنِّ عند نيتشه
اهتمَّ نيتشه بالفنّ وبخاصَّةٍ الموسيقى، وذلك لأنَّ الفنَّ في نظره ليس مجرَّد نشاط أساسيٍّ في حياة الإنسان فحسب، بل هو أكثر من ذلك، هو التعبير عن الحياة نفسها. وإذا كان الفيلسوف يسعى دائمًا إلى البحث عن الحقيقة ويضعها فوق كلِّ شيء، فنيتشه يضع الفنَّ فوق الحقيقة. فهدفُ الفنِّ، بالنسبة إليه، هو مساعدة الإنسان على ألَّا يموت من بشاعةِ حقيقة هذا العالم. لذلك فما يهمُّه هو ما يُعبِّر عنه الفنّ، أي كيف تعبِّر الحياة عن نفسها من خلال الفنّ. ومن أجل توضيح ذلك يعمد إلى استخدام مبدأَي الفنِّ الأبولونيِّ والفنِّ الديونيسيِّ[27] في الثقافة اليونانيَّة، من أجل أن يشرح مفهومَين أساسيَّين في الحياة. وهو في ذلك يدَّعي أنَّ الفنَّ الإغريقيّ عَرف جوهر الحياة من خلال هذَين المفهومَين، وأنَّ الحضارة الإنسانيَّة من بَعدهما نسيت هذه المعارف. وخلاصةُ هذا الادِّعاء أنَّ الإغريق اكتشفوا أنَّ الحياة في جوهرها تراجيديَّة، بينما العالم مالَ عن هذه الحقيقة فيما بعد[28].
9) طبيعة العالم التراجيديَّة
يتعلَّق القولُ بتراجيديَّة الحياة بأنَّ الإنسان لا يستطيع أن يُقاوِم قوى الطبيعة المختلفة، وكبرياؤه يجعله يتخيَّل أنَّه يمكنه أن يفعل ما هو عكس مصيره، إلَّا أنَّ الطبيعة هي من ينتصر في النهاية. وما جعل الحضارات اللاحقة للإغريق تنسى هذه الحقيقة هو أنَّه يَصعُب العيش مع حقيقة أنَّ الحياة تراجيديَّة. لذلك قامت هذه الحضارات بتغطية هذه الحقيقة ببعض الأشكال والظلال مثل: العقل والعدالة والحقيقة والخير. وكلُّ هذه المفاهيم التي تُعطي الحياةَ معنًى تُنسي الإنسان أنَّ الحياة عبثيَّة. والإنسان يرفض حقيقة أنَّ الحياة عبثيَّة لأنَّها تخيفه فلا يستطيع أن يعيش مع هذه الفكرة. وهذا ما يحاول نيتشه قوله؛ إنَّ العالم محكومٌ بقوَّتين أساسيَّتين، القوَّة الفوضويَّة لديونيسيوس، والقوَّة المنظِّمة لأبولو. قوَّة عبثيَّة في أساس كلِّ الأشياء، وقوَّة تسعى لإخفاء العبث حتَّى يصبح من الممكن احتماله. وهاتان هما القوَّتان اللتان تنصهران في التراجيديَّة الإغريقيَّة. فهاتان القوَّتان، إذًا، ليستا مُرتبطتَين بالفنِّ الإغريقيّ فحسب، بل هما قوَّتان جوهريَّتان مُحرِّكتان للحياة نفسها وللطبيعة وللإنسان بصفته جزءًا من هذه الطبيعة. فكلَّ مرَّة يتصرَّف فيها الإنسان تكون الطبيعة تتصرَّف من خلاله[29].
ولفهم مفهومَي الفنِّ الأبولونيّ والفنِّ الديونيسيّ، كما يقصدهما نيتشه، ينبغي علينا أن نضعهما في إطارهما. ففي القرن السابع عشر ظهر في أوروبّا ما يُعرَف بالفنِّ الكلاسيكيّ، وهو فنٌّ يقوم على البحث عن النظام والجمال والتوازن واحترام القواعد. فالهاجسُ الأساسيُّ عند الفنَّانين الكلاسيكيِّين هو احترام النظام والقواعد، أي أنَّ العمل غير المنظَّم تنظيمًا دقيقًا لا يمكن النظر إليه على أنَّه جميل. بكلمات أخرى، كان التناغم Harmony هو المقياس الأوَّل للجمال في الأعمال الفنِّيَّة (العمارة والنحت والتصوير والموسيقى.. إلخ). وهذا التصوُّر للجمال في الأعمال الفنِّيَّة - القائم على التناغم - يُسمِّيه نيتشه الفنَّ الأبولونيّ. فالفنُّ الأبولونيّ، إذًا، هو موقف مُعيَّن من الجمال، يقوم على البحث عن التناغم في العمل الفنِّيّ. وذلك لأنَّ أبولو في الثقافة اليونانيَّة هو إله الفنّ، إله الشمس والنور، إله العقل. إلهٌ يهب نفسه في اللمعان، وأداتُه في ذلك الجمال، وأهمُّ صفاته الشباب الدائم، إذًا، هو إله الجمال والتوازن الصوريّ. وهذا العالم الأبولونيّ القائم على التناغم والنظام والجمال الصوريّ هو ما يرفضه نيتشه، أو بصورةٍ أدقّ هو يرفض أن ينحصر الجمال في كلِّ ما هو متناغم فحسب، وأن يتمَّ رفض ما هو تلقائيٌّ وغيرُ منتظم، وذلك لأنَّ الحياة ليست دائمًا على هذه الشاكلة. الحياة ليست مُكوَّنة من كلِّ ما هو متساوٍ ومتناغمٍ وجميل، بل مليئة بالقسوة وعدم التناغم، والحياة فيها عقل، لكنَّ فيها رغبات أيضًا، أي ما هو ديونيسيّ[30].
وديونيسيوس هو إله السُكْر والخمر وعدم التوازن والجنون. فإذا كان أبولو يجسِّد العقل، فديونيسيوس يجسِّد الفوضى. وهدف الديونيسيَّة هو تفجير الرغبات، وذلك من خلال احتفالاتِ الإله ديونيسيوس الصاخبة، والمليئة بالخمر والسكر والمبالغة في كلِّ شيء. وما إن تنتهي هذه الاحتفالات ترجع الحياة إلى طبيعتها، أي إلى المبدأ الأبولونيّ. لذلك فثنائيَّة أبولو وديونيسيوس تُمثِّل الطبيعة الثنائيَّة للحياة؛ العقل والرغبات، الرزانة والسُكر، الحدود والتجاوزات. لذلك يقول نيتشه: "من الممكن أن نقدِّم خدمة كبيرة لعلم الجمال حين نتوصَّل إلى إدراك يقينيّ، وليس من خلال التفكير المنطقيّ فحسب، بأنَّ الفنَّ يستمدُّ مقوِّمات نموِّه المستمرّ من الثنائيَّة المتمثِّلة في أبولو وديونيسيوس، تمامًا كما أنَّ تجدُّد الأنواع قائم على الثنائيَّة الجنسويَّة، بما في ذلك هذه الثنائيَّة من صراعات لا تنتهي، يتخلَّلها أحيانًا فحسب بعض المصالحات الطارئة بشكل دوريّ"[31].
10) إرادة القوَّة في جوهر الحياة
بالنسبة إلى نيتشه، إنَّ إخراج ديونيسيوس من المعادلة ورفض وجوده هو رفض للحياة نفسها، وذلك لأنَّ ديونيسيوس هو الطاقة الأساسيَّة للحياة، الطاقة التي تُخرِج الفوضى والسُكر والقوَّة. لأنَّ أساس الحياة في نظره هو القوَّة، وبكلمات أدقّ، إرادة القوَّة. فالديونيسيَّة والقوَّة هما الشيء نفسه عند نيتشه، وإرادة القوَّة هي هذه الطاقة التي تحرِّك العالم والحياة، وتدفع كلَّ شيء إلى الرغبة في النموِّ والوجود. فما إنْ تنمو نبتةٌ ما فهي تُعبِّر عن إرادة القوَّة التي فيها. وهذه الإرادة هي عمياء، لا تبالي بما هو عادل أو صحيح أو جيِّد، فكلُّ هذه المفاهيم لا معنى لها، وهي صمَّاء لما يقوله العقل. وأمام هذه الفوضى اخترع الإنسان الفكر والعقل ليحدِّد مسارات هذه الفوضى ويحدَّها. خلاصة النظرة النيتشويَّة، إذًا، لأصل الأشياء، هو وجود هذه القوى الفوضويَّة العبثيَّة التي تحرِّك إرادة القوَّة في الكائنات. والإنسان اخترع الأشكال والنظام ليتمكَّن من ضبطِ هذه الفوضى وحدِّها في إطار مُعيَّن، لذلك يقول نيتشه: "نحن مدينون، بالنسبة لإلهَي الفنِّ أبولو وديونيسيوس، بمعرفتنا أنَّ هناك تعارضًا هائلًا في العالم الإغريقيّ فيما يتعلَّق بالجذور والأهداف، بين الفنِّ الأبولونيّ في النحت وبين فنِّ الموسيقى الديونيسيّ اللابصريّ"[32].
فالنحت، إذًا، هو فنٌّ أبولونيّ لأنَّه يُعطي شكلًا وحدودًا، بينما في المقابل يوجد فنُّ الموسيقى الذي هو فنٌّ ديونيسيّ. فالموسيقى ليس لها حدود، هي اهتزازاتٌ في الهواء، هي انتشارٌ للطاقة. النحت ثابتٌ وجامد، والموسيقى تنتشر. النحت لا يتحرَّك، والموسيقى تنطلق بلا حدود. الأبولونيُّ هو الكائن، بينما الديونيسيُّ هو الصيرورة. لذلك كانت التراجيديا الإغريقيَّة في نظره هي توليفة الأبولونيّة والديونيسيَّة اللذَين يتكاملان. الديونيسيَّة هي رغبات الإنسان المتفجِّرة، والأبولونيَّة تضع الإطار الذي تَظهَر وتُمارَس فيه هذه الرغبات. لكن لا يُمكن أبدًا تجاهل أو محو البُعد الديونيسيّ يمكن فقط أن يكون له إطار. وذلك لأنَّ إرادة القوَّة لا يُمكن أبدًا أن تُمنع أن تُعبِّر عن نفسها، كونها هي القوَّة الأساسيَّة للحياة، بينما القوَّة الأبولونيّة ليست إلَّا إعادة توازن وإطار لهذه القوَّة، إلَّا أنَّ هذا التوازن، وهذا التواجد المشترك، لا مفرَّ منهما. والحياة لا يمكن أن تكون ديونيسيَّة فحسب على الرغم من كون الديونيسيَّة هي القوَّة الأساسيَّة للحياة، وذلك لأنَّ الحياة بهذا الشكل تكون غير معقولة وغير مقبولة. إنَّ الأبولونيُّ يُخبِّئ الديونيسيّ في الحياة وفي الإنسان[33].
وكون كتابه مولد التراجيديا جاء امتدادًا لفكر شوبنهاور، يؤكِّد نيتشه أنَّ الديونيسيّ هو ما يحكم حياة الإنسان. وما سمَّاه نيتشه الديونيسيّ هو ما سمَّاه شوبنهاور الإرادة. وما سمَّاه نيتشه الأبولونيّ هو ما سمَّاه شوبنهاور التمثُّل. لذلك لا يمكن محو ما هو ديونيسيّ، ومهما تمَّ كبتُه لا بدَّ من أن يظهر في وقتٍ ما. يمكننا من خلال هذا العرض الذي قدَّمناه أن نضع بعض الصفات المتعارِضة لكلا المفهومَين، حتَّى يتوضَّح المعنى أكثر، ويظهر هذا التعارضُ الكبير في حياة الإنسان. الأبولونيُّ هو النظام في مقابل الديونيسيّ الذي هو الفوضى، العقل في مقابل الرغبات، الرزانة في مقابل السُكر، الحدود والقياس في مقابل المبالغة في كلِّ شيء، السلام في مقابل العنف، المعنى في مقابل العبَث، الشكل في مقابل القوَّة، الشِّعر في مقابل الموسيقى، العمل في مقابل الاحتفالات، الفضيلة في مقابل الفجور، النهار في مقابل الليل، الشمس في مقابل القمر، الفرد في مقابل الكلّ، المعلوم في مقابل المجهول. فكلُّ هذه التناقضات تسكُن الإنسان وتسكن الحياة نفسَها. بل أكثر من ذلك، الليل يمتلك أصالة أكثرَ من النهار، فالنهار هو ليلٌ بالإضافة إلى نورٍ في نظر نيتشه[34].
11) الجمال هو ما يُعبِّر عن إرادة القوَّة
يُقال إنَّ الشمس تنير، وبنورها تنكشف الأمور. لكنَّ العكس صحيح، فنورُ الشمس يُخفي النجوم في السماء، ويمنع من تأمُّل السماء كما هي فعلًا. إذًا بهذا المعنى أبولو هو إله الشمس، لأنَّه يُغطِّي حقيقة الحياة والرغبات بالعقل، يُغطِّي العبث بالمعنى. فالمعنى والعقل والنظام كلُّها أشياء مُصطنعة تُغطِّي حقيقة الحياة. كلُّها تُخبِّئ التراجيديا الموجودة في الحياة لتجعلَها مُحتملة. الأبولونيُّ، إذًا، هو التجاوب الإنسانيّ مع عبثيَّة العالم. بالنسبة إلى نيتشه فإنَّ لقاء الأبولونيَّة بالديونيسيَّة ليس في التراجيديا الإغريقيَّة فحسب، بل هو في قلب الحياة كلِّها بشكل عامّ. الوجود عبثيّ، العالم عبثيّ، وهذه العبثيَّة يجب أن يقبلها الإنسان، يجب أن يُحبَّها ويحبَّ قدره، يحبّ ما هو موجود كما هو، وكما لو أنَّه سوف يعود في عودٍ أبديّ. لا يجب أن يقتنع الإنسان بأنَّ للحياة معنى، ولا أن يعيش كأنَّ المعاناة غير موجودة. ومع ذلك يجب أن يحبَّ كلَّ شيء في الحياة، وأن يضمَّ كلَّ شيء، أن يضمَّ العبث والمعاناة. فليس الفنَّان من يُعدِّل الحياة لتُصبح محمولة، ولا من يُزيِّن العالم. الفنَّان هو من يصوِّر العالم كما هو في حقيقته. هو من تستولي عليه الطبيعة وتفصله عن واقعه حتَّى يعود فيُقذَف فيها مرَّة أخرى، حتَّى تتجدَّد الطبيعة بلا توقُّف من خلال الإنسان[35].
خاتمة
أوضحنا في معرض بحثنا كيف أنَّ فلسفة شوبنهاور تبدأ من حيث تنتهي فلسفة كانط. بنى شوبنهاور نظريَّته على أبستمولوجيا كانط وأصلَح ما وجد فيها من أخطاء. فوافَق على فكرةِ عدم إمكان وجودِ موضوع من دون وجود ذاتٍ تدركه. إلَّا أنَّه اختلف عن كانط باعتقاده بإمكان إدراك الشيء في ذاته. وكان سبيله في ذلك هو النظر إلى العالم باعتباره إرادةً لها تمثُّلات عديدة. وهذه الإرادة هي قوَّة غاشمة تُحرِّك العالم، والعقل أداة في يدها تحرِّكه كما تشاء. وبسبب كثرة تمثُّلات الإرادة توجد المعاناة في العالم. لذلك كان الهدف من الفنِّ أو الجمال هو تحمُّلُ المعاناة الموجودة في هذا العالم. وبالتالي فالجمال هو الخروج من الإرادة الفرديَّة وتجسيد إرادة الحياة التي تحرِّك العالم. وكلَّما اقترب الفنُّ من تجسيد هذه الإرادة وابتعد عن الإرادات الفرديَّة كان أجمل، وارتقى تصنيفه أكثر.
ثمَّ أوضحنا كيف أنَّ نيتشه جاء ليسير في مسار شوبنهاور نفسِه. فأوضح أنَّ الحياة في جوهرها تراجيديَّة على غرار التراجيديا الإغريقيَّة. وهي قائمة على الصراع المحتدِم بين القوى العبثيَّة الفوضويَّة التي مثَّلها بديونيسيوس إله الخمر والسُكر، والقوى العقليَّة المنظِّمة للكون التي مثَّلها بأبولون إله النور. وأوضحنا أنَّ نيتشه يَعتبر القوَّة الديونيسيَّة هي القوَّة الأساسيَّة في الكون باعتبارها إرادة القوَّة، وأنَّ القوَّة الأبولونيَّة تعمل على تنظيمها وتحديد إطارها. وبالتالي فالعمل الفنيّ هو ما يُظهِر هذا الصراع العنيف الموجود في الحياة، وبكلمات أخرى، الجمال هو ما يُظهر إرادة القوَّة.
ثبت المصادر والمراجع
• زكريَّا، فؤاد. آفاق الفلسفة. ط.1. القاهرة: مؤسَّسة هنداوي، 2019.
• طرابيشي، جورج. معجم الفلاسفة. ط.3. بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2006.
• كانط، عمانوئيل. نقد العقل المحض. ترجمة موسى وهبة. ط.1. بيروت: مركز الإنماء القوميّ، 1988.
• مطر، أميرة حلمي. فلسفة الجمال: أعلامها ومذاهبها. ط.1. القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر، 1998.
• Guyer, P. “Back to Truth: Knowledge and Pleasure in the Aesthetics of Schopenhauer”. European Journal of Philosophy, 2008, pp. 164–178.
• Schopenhauer, A. The world as will and representation. Dover Publications, 1966.
جوزيف أشرف: دارس مصريّ في الرهبانيَّة اليسوعيَّة. حائز بكالوريوس في الإعلام والتسويق من جامعة القاهرة، وليسانس في الفلسفة والحضارة العربيَّة من جامعة القدِّيس يوسف، بيروت. يعمل حاليًّا مرشدًا روحيًّا في مدرسة العائلة المقدَّسة بالقاهرة.
[1] "شوبنهاور: فيلسوف ألمانيٌّ وُلد في 22 شباط 1788، ومات في 4 أيلول 1860. تنقسم حياته الفكريَّة مرحلتين: الأولى مرحلة الاندفاع والتي انتهت بإنتاج العالم كإرادة وتصوُّر، والثانية قضاها في محاولة للتغلُّب على عدم تفهُّم عصره أفكارَه". (جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة (ط.3)، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2006، 405).
[2] "نيتشه: ولد في بروسيا في 15 تشرين الأوَّل 1844، ومات في فايمار في 25 آب 1900. كان في الرابعة من عمره عندما قضى أبوه في حادث. وأعقب هذا الحادث وفاة أخيه. هزَّته مطالعة كتاب شوبنهاور العالم إرادةً وتمثُّلًا. عمل أوّلًا كأستاذ للفيلولوجيا في بال 1868، وتعرَّف على الموسيقار الشهير فاغنر. وكرَّس وقته حينها لدراسة التراجيديا اليونانيَّة، وكتَّاب الأخلاق الفرنسيِّين. وما لبث أن ترك الفيلولوجيا وفضَّل حياة التنقُّل، وقد ألَّف العديد من الكتب المهمَّة حتَّى وفاته". (طرابيشي، المصدر نفسه، 677).
[3] "كانط: فيلسوف ألمانيّ، وُلد ومات في كونيغسبرغ (بروسيا الشرقية) (22 نيسان 1724 – 12 شباط 1804). تلقَّى تعاليمه الأولى في المعهد الفريدريكيّ، ثمّ تبع دروس جامعة كونيغسبرغ بين السادسة عشرة والثانية والعشرين. وقد تسجَّل نظريًّا في كلِّيَّة اللاهوت، لكنَّه وقف نفسه على دراسة الفلسفة والطبيعيَّات. بدأ يعلِّم في العام 1755، ثمّ بدأ إنتاجه الأكاديميّ الغزير بعد ذلك". (طرابيشي، المصدر نفسه، 513).
[4] آرثر شوبنهاور، العالم إرادةً وتمثُّلًا، ترجمة سعيد توفيق (ط.1)، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2006، 31.
[5] شوبنهاور، المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[6] عمانوئيل كانط، نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة (ط.1)، بيروت: مركز الإنماء القوميّ، 1988. 37.
[7] فؤاد زكريَّا، آفاق الفلسفة.(ط.1)، القاهرة: مؤسَّسة هنداوي، 2019، 154-155.
[8] شوبنهاور، العالم إرادة وتمثّلًا، 256-257.
[9] شوبنهاور، المرجع نفسه، 212-213.
[10] كانت هذه الملاحظة قبل حوالى أربعين عامًا من كتاب داروين في أصل الأنواع، الذي تكلَّم فيه على نظريَّة الانتقاء الطبيعي والبقاء للأفضل، وقبل حوالى قرنٍ كامل من نظريَّات فرويد النفسيَّة.
[11] زكريَّا، آفاق الفلسفة، 155-156.
[12] A. Schopenhauer, The world as will and representation, Dover Publications, 1966. 325.
[13] زكريَّا، المرجع السابق، 156.
[14] Schopenhauer, op.cit, 390.
[15] Schopenhauer, op.cit, 266.
[16] S. Shapshay, Schopenhauer’s Aesthetics and Philosophy of Art, Philosophy Compass, 2012, pp. 11-22, 12.
[17] Shapshay, ibid, 15.
[18] Schopenhauer, op.cit, 174-176.
[19] Shapshay, op.cit, 14.
[20] Shapshay, op.cit, 15.
[21] أميرة حلمي مطر، فلسفة الجمال: أعلامها ومذاهبها (ط.1)، القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر، 1998، 151-152.
[22] P. Guyer, “Back to Truth: Knowledge and Pleasure in the Aesthetics of Schopenhauer”, European Journal of Philosophy, 2008, pp. 164–178, 17.
[23] مطر، المرجع السابق، 152-153.
[24] Schopenhauer, The world as will and representation, 257.
[25] Schopenhauer, ibid, 262-263.
[26] Guyer, Knowledge and Pleasure in the Aesthetics of Schopenhauer, 174.
[27] جاءت هذه التسميات من آلهة اليونان أبولو وديونيس. الفنُّ المستوحى من أبولو، إله الحقيقة والنبوءة، هو عقلانيٌّ وبنَّاءٌ ومثاليّ، بينما الفنُّ المستوحى من ديونيس، إله الخمر والصخب، هو عاطفيٌّ وغريزيّ. الفنُّ الأبولونيّ هو تأمُّليّ، يساعد الناس في فهم ما يحيط بهم، ويحدِّد المشاكل ويحلُّها، ويجلب النظام إلى العالم الفوضويّ. الفنُّ الديونيسيّ يترسَّخ في التجربة ويستمتع بالفوضى.
[28] K. Higgins, “Nietzsche on Music”, Journal of the History of Ideas, Oct. Dec.,1986, Vol. 47, No. 4 (Oct.-Dec., 1986), pp. 663-672, 664.
[29] J. O'Flaherty, M. Baeumer, “Nietzsche and the tradition of the Dionysian, Studies in Nietzsche and the classical tradition. University of North Carolina Press, 1976, 166.
[30] C. Crawford, “the Dionysian worldview”, Journal of Nietzsche Studies, Spring 1997, No. 13, Nietzsche and German Literature (Spring 1997), pp. 81-97, 81.
[31] فريدريك نيتشه، مولد التراجيديا، ترجمة شاهر حسن عبيد (ط.1)، اللاذقيَّة: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2008، 79.
[32] نيتشه، المرجع نفسه، 79.
[33] Crawford, op.cit, 83-84.
[34] Baeumer, “Nietzsche and the tradition of the Dionysian”, 177-179.
[35] Higgins, K.” Nietzsche on Music”. Journal of the History of Ideas, Vol. 47, No. 4 (Oct. - Dec.,1986), pp. 663-672. p. 670-671.
تعليقات 0 تعليق